فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (٩) وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ)(١٠)
وقوله عزوجل : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ) التقدير : والوزن الحق ثابت ، أو ظاهر يومئذ ، أي يوم القيامة.
قال جمهور الأمّة : إنّ الله عزوجل أراد أن يبين لعباده أن الحساب والنظر يوم القيامة هو في غاية التحرير ، ونهاية العدل بأمر قد عرفوه في الدّنيا ، وعهدته أفهامهم ، فميزان القيامة له عمود وكفّتان على هيئة موازين الدنيا ، جمع لفظ «الموازين» ؛ إذ في الميزان موزونات كثيرة ، فكأنه أراد التّنبيه عليها.
قال الفخر (١) : والأظهر إثبات موازين في يوم القيامة لا ميزان واحد ، لظواهر الآيات ، وحمل الموازين على الموزونات ، أو على الميزان الواحد يوجبان العدول عن ظاهر اللفظ ، وذلك إنما يصار إليه عند تعذّر حمل الكلام على ظاهره ، ولا مانع هاهنا منه ، فوجب إجراء اللفظ على حقيقته ، فكما لم يمتنع إثبات ميزان له كفّتان ، فكذلك لا يمتنع إثبات موازين بهذه الصّفة ، وما الموجب لتركه ، والمصير إلى التأويل. انتهى. قال أبو حيّان (٢) : موازينه جمع باعتبار الموزونات (٣) ، وهذا على مذهب الجمهور ؛ في أن الميزان واحد.
وقال الحسن : لكل واحد ميزان (٤) ، فالجمع إذن حقيقة انتهى.
والآيات هنا البراهين والأوامر والنواهي.
وقوله سبحانه : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ ...) الآية خطاب لجميع الناس ، والمعايش : بكسر الياء دون همز جمع معيشة ، وهي لفظة تعمّ جميع المأكول الذي يعاش به ، والتحرف الذي يؤدّي إليه ، و (قَلِيلاً) نصب ب (تَشْكُرُونَ) ويحتمل أن تكون (ما) مع الفعل بتأويل المصدر ، و (قَلِيلاً) نعت لمصدر محذوف ، تقديره : شكرا قليلا شكركم ، أو شكرا قليلا تشكرون.
(وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ
__________________
(١) ينظر : «تفسير الرازي» (١٤ / ٢٣)
(٢) ينظر : «البحر المحيط» (٤ / ٢٧١)
(٣) ذكره ابن عطية (٢ / ٣٧٦) بنحوه.
(٤) ذكره ابن عطية (٢ / ٣٧٦) بنحوه.