ومعنى قوله (كَذلِكَ) الإشارة إلى أمر الحوت ، وفتنتهم به ، هذا على من وقف على (تَأْتِيهِمْ) ، ومن وقف على (كَذلِكَ) ، فالإشارة إلى كثرة الحيتان شرّعا ، أي : فما أتى منها يوم لا يسبتون ، فهو قليل ، و (نَبْلُوهُمْ) ، أي : نمتحنهم بفسقهم وعصيانهم ، وقد تقدّم في «البقرة» قصصهم.
وقوله سبحانه : (وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً).
قال جمهور المفسّرين : إن بني إسرائيل افترقت ثلاث فرق : فرقة عصت ، وفرقة نهت ، وجاهرت وتكلّمت واعتزلت ، وفرقة اعتزلت ، ولم تعص ولم تنه ، وأن هذه الفرقة لما رأت مجاهرة الناهية ، وطغيان العاصية وعتوّها ، قالت للناهية : (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً) ، يريدون : العاصية (اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ) ، فقالت الناهية : موعظتنا معذرة إلى الله ، أي : إقامة عذر ، ومعنى (مُهْلِكُهُمْ) ، أي : في الدنيا ، (أَوْ مُعَذِّبُهُمْ) ، [أي] : في الآخرة ، والضمير في قوله : (نَسُوا) للمنهيين ، وهو ترك سمّي نسيانا مبالغة ، و «ما» في قوله : (ما ذُكِّرُوا بِهِ) بمعنى الّذي ، و (السُّوءِ) : لفظ عامّ في جميع المعاصي إلّا أنّ الذي يختصّ هنا بحسب قصص الآية هو صيد الحوت ، و (الَّذِينَ ظَلَمُوا) : هم العاصون ، وقوله : (بِعَذابٍ بَئِيسٍ) معناه : مؤلم موجع شديد ، واختلف في الفرقة التي لم تعص ولم تنه ، فقيل : نجت مع الناجين ، وقيل : هلكت مع العاصين.
وقوله : (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) ، أي : لأجل ذلك ، وعقوبة عليه ، والعتوّ الاستعصاء وقلّة الطواعية.
وقوله سبحانه : (قُلْنا لَهُمْ كُونُوا) ، يحتمل أن يكون قولا بلفظ من ملك أسمعهم ؛ فكان أذهب في الإعراب والهول والإصغار ، ويحتمل أن يكون عبارة عن القدرة المكوّنة لهم قردة ، و (خاسِئِينَ) : معناه مبعدين ف «خاسئين» خبر بعد خبر ، فهذا اختيار أبي الفتح ، وضعّف الصفة ، فروي أنّ الشباب منهم مسخوا قردة ، والرجال الكبار مسخوا خنازير.
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٧) وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(١٦٨)
وقوله سبحانه : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ) معنى هذه الآية : وإذ علم الله ليبعثنّ ، وتقتضي قوّة الكلام ؛ أنّ ذلك العلم منه