سبحانه مقترن بإنفاذ وإمضاء ؛ كما تقول في أمر عزمت عليه : علم الله لأفعلنّ.
وقال الطبريّ (١) وغيره : (تَأَذَّنَ) معناه : أعلم ، وقال مجاهد : (تَأَذَّنَ) معناه : أمر (٢) وقالت فرقة : معنى (تَأَذَّنَ) : تألّى ، والضمير في (عَلَيْهِمْ) ، لبني إسرائيل ، وقوله : (مَنْ يَسُومُهُمْ) قال ابن عباس : هي إشارة إلى محمّد صلىاللهعليهوسلم وأمّته ، يسومون اليهود سوء العذاب (٣).
قال* ع (٤) * : والصحيح أنّ هذا حالهم في كل قطر ، ومع كلّ ملّة ، و (يَسُومُهُمْ) : معناه : يكلّفهم ويحمّلهم ، و (سُوءَ الْعَذابِ) : الظاهر منه : أنه الجزية ، والإذلال ، وقد حتم الله عليهم هذا ، وحطّ ملكهم ، فليس في الأرض راية ليهوديّ ، ثم حسن في آخر الآية التنبيه على سرعة العقاب ، والتخويف لجميع الناس ، ثم رجّى سبحانه بقوله : (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ؛ لطفا منه بعباده جلّ وعلا ، (وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ) ، معناه : فرّقناهم في الأرض.
قال الطبريّ (٥) عن جماعة من المفسّرين : ليس في الأرض بقعة إلّا وفيها معشر من اليهود ، والظاهر في المشار إليهم بهذه الآية ؛ أنهم الذين بعد سليمان وقت زوال ملكهم ، والظاهر أنهم قبل مدّة عيسى عليهالسلام ؛ لأنهم لم يكن فيهم صالح / بعد كفرهم بعيسى صلىاللهعليهوسلم و (بَلَوْناهُمْ) ، معناه : امتحنّاهم (بِالْحَسَناتِ) ، أي : بالصّحّة والرخاء ، ونحو هذا ممّا هو بحسب رأي ابن آدم ونظره ، و (السَّيِّئاتِ) : مقابلات هذه ، (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) إلى الطاعة.
(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦٩) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ)(١٧٠)
__________________
(١) ينظر : «تفسير الطبري» (٦ / ١٠٢)
(٢) أخرجه الطبري (٦ / ١٠٢) برقم : (١٥٣٠٨ ـ ١٥٣٠٩) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٤٧١) ، والبغوي (٢ / ٢٠٩) ، وابن كثير (٢ / ٢٥٩) ، والسيوطي (٣ / ٢٥٥) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر ، وأبي الشيخ.
(٣) أخرجه الطبري (٦ / ١٠٢) برقم : (١٥٣١٠) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٤٧١) ، وابن كثير (٢ / ٢٥٩)
(٤) ينظر : «تفسير المحرر الوجيز» (٢ / ٤٧١)
(٥) ينظر : «تفسير الطبري» (٦ / ١٠٤)