سبحانه لنبيّه بإشهار الدعوة العامّة ، وهذه من خصائصه صلىاللهعليهوسلم من بين سائر الرسل ؛ فإنه صلىاللهعليهوسلم بعث إلى الناس كافّة ، وإلى الجنّ ، وكلّ نبيّ إنما بعث إلى فرقة دون العموم.
وقوله سبحانه : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ...) الآية : حضّ على اتباع نبينا محمّد صلىاللهعليهوسلم ، وقوله : (الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ) ، أي : يصدق بالله وكلماته ، والكلمات هنا : الآيات المنزلة من عند الله ؛ كالتوراة والإنجيل ، وقوله : (وَاتَّبِعُوهُ) لفظ عامّ يدخل تحته جميع إلزامات الشريعة ، جعلنا الله من متّبعيه على ما يلزم بمنّه ورحمته.
قلت : فإن أردتّ الفوز أيّها الأخ ، فعليك باتباع النبيّ صلىاللهعليهوسلم وتعظيم شريعته ، وتعظيم جميع أسبابه.
قال عياض : ومن إعظامه صلىاللهعليهوسلم وإكباره إعظام جميع أسبابه وإكرام مشاهده وأمكنته ، ومعاهده ، وما لمسه عليهالسلام أو عرف به ، حدّثت أن أبا الفضل الجوهري ، لمّا ورد المدينة زائرا ، وقرب من بيوتها ، ترجّل ، ومشى باكيا منشدا : [الطويل]
ولمّا رأينا رسم من لم يدع لنا |
|
فؤادا لعرفان / الرّسوم (١) ولا لبّا (٢) |
نزلنا عن الأكوار (٣) نمشي كرامة |
|
لمن بان عنه أن نلمّ به ركبا |
وحكي عن بعض المريدين ؛ أنه لما أشرف على مدينة الرسول عليهالسلام ، أنشأ يقول : [الكامل]
رفع الحجاب (٤) لنا فلاح لناظري |
|
قمر تقطّع دونه الأوهام (٥) |
وإذا المطيّ (٦) بنا بلغن محمّدا |
|
فظهورهنّ (٧) على الرّجال حرام |
__________________
(١) الرسم : آثار الديار الدارسة ، والمراد آثاره صلىاللهعليهوسلم في معاهده ومساكنه ، والفؤاد : القلب ، والعرفان : المعرفة ، واللّب : العقل.
(٢) الأبيات للمتنبي (١ / ٥٦) ، ينظر : الأبيات في «الشفا» ص : (٦٢١)
(٣) الأكوار : جمع كور ، وهو للإبل بمنزلة السرج للفرس ، بان : بعد ، نلمّ : نأتيه لزيارته ، والإلمام : الإتيان قليلا.
(٤) المراد برفع الحجاب في الشعر : رفع ستائر أبواب الملوك والعظام ، وهو هنا ، بمعنى انقضاء المسافة ، والقرب من المدينة ، والقمر : الممدوح ، وتقطع : تضمحل.
(٥) الأبيات لأبي نواس في مدح محمد الأمين. ينظر : «ديوانه» ص : (٤٠٨) ، وتنظر الأبيات في : «الشفا» (٦٢٢)
(٦) المطيّ : جمع مطية : ناقة تمتطى وتركب ، ولاح : بدا وظهر ، دونه : قريبا منه.
(٧) فظهورهن على الرجال حرام ، أي : إذا أوصلتهم لمقاصدهم ، كانت لها حرمة تقتضي رعايتها وراحتها ، ـ