والإصر أيضا : العهد ، وبه فسر ابن عباس وغيره (١) ، وقد جمعت هذه الآية المعنيين ؛ فإن بني إسرائيل قد كان أخذ عليهم العهد بأن يقوموا بأعمال ثقال ، فوضع عنهم نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوسلم ، وقال ابن جبير : الإصر : شدّة العبادة (٢) ، وقرأ ابن عامر (٣) : «آصارهم» بالجمع فمن وحّد «الإصر» ؛ فإنما هو اسم جنس عنده ، يراد به الجمع ، (وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) عبارة مستعارة أيضا لتلك الأثقال ، كقطع الجلد من أثر البول ، وأن لا دية ، ولا بدّ من قتل القاتل ، إلى غير ذلك ، هذا قول جمهور المفسّرين ، وقال ابن زيد : إنما المراد هنا ب (الْأَغْلالَ) قول الله عزوجل في اليهود : (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) [المائدة : ٦٤] ، فمن آمن بنبينا محمّد صلىاللهعليهوسلم ، زالت عنه الدعوة ، وتغليلها (٤) ، ومعنى (عَزَّرُوهُ) : أي : وقّروه ، فالتعزير والنصر : مشاهدة خاصّة للصحابة ، واتّباع النور : يشترك فيه معهم المؤمنون إلى يوم القيامة ، والنّور : كناية عن جملة الشرع ، وشبّه الشرع والهدى بالنور ، إذ القلوب تستضيء به ؛ كما يستضيء البصر بالنّور.
(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٨) وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٥٩) وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(١٦٠)
وقوله سبحانه : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) هذا أمر من الله
__________________
(١) أخرجه الطبري (٦ / ٨٥) برقم : (١٥٢٤١) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٤٦٣) ، والسيوطي (٣ / ٢٤٨) ، وعزاه لابن جرير ، وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٢) ذكره ابن عطية (٢ / ٤٦٣) ، والسيوطي (٣ / ٢٤٨) ، وعزاه لابن أبي حاتم.
(٣) وحجته أنه لم يختلف في جمع «الأغلال» ، وهي نسق على الإصر ، وحجة الباقين قوله تعالى : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) [البقرة : ٢٨٦] ، وقوله سبحانه : (وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي) [آل عمران : ٨١]. ينظر : «السبعة» (٢٩٥) ، و «الحجة» (٤ / ٩٣) ، و «إعراب القراءات» (١ / ٢١٠) ، و «حجة القراءات» (٢٩٨) ، و «إتحاف» (٢ / ٦٥) ، و «معاني القراءات» (١ / ٤٢٥) ، و «شرح شعلة» (٣٩٧ ـ ٣٩٨) ، و «شرح الطيبة» (٤ / ٣١) و «العنوان» (٩٨)
(٤) ذكره ابن عطية (٢ / ٤٦٤)