الرجفة التي نزلت بالقوم ، ثم أخبر سبحانه عن رحمته ، ويحتمل ؛ وهو الأظهر : أن الكلام قصد به الخبر عن عذابه ، وعن رحمته ، وتصريف ذلك في خليقته ؛ كما يشاء سبحانه ، ويندرج في عموم العذاب أصحاب الرجفة ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن ، وطاوس ، وعمرو (١) بن فائد : «من أساء» (٢) من الإساءة ، ولا تعلّق فيه للمعتزلة ، وأطنب القرّاء في التحفّظ من هذه القراءة ، وحملهم على ذلك شحّهم (٣) على الدّين.
وقوله سبحانه : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) ، قال بعض العلماء : هو عموم في الرحمة ، وخصوص في قوله : (كُلَّ شَيْءٍ) ، والمراد : من قد سبق في علم الله أن يرحمهم ، وقوله سبحانه : (فَسَأَكْتُبُها) ، أي : أقدّرها وأقضيها.
وقال نوف البكالي (٤) : إن موسى عليهالسلام قال : يا ربّ ، جعلت وفادتي لأمّة محمّد عليهالسلام ، وقوله : (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) : الظاهر : أنها الزكاة المختصّة بالمال ، وروي عن ابن عباس ؛ أن المعنى : يؤتون الأعمال التي يزكّون بها أنفسهم (٥).
وقوله سبحانه : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ...) الآية : هذه ألفاظ أخرجت
__________________
(١) عمرو بن فائد ، أبو علي الأسواري التميمي : معتزلي قدري ، من القراء القصاص ، من أهل البصرة ، كان منقطعا إلى أميرها محمد بن سليمان ، أخذ عن عمرو بن عبيد ، وله معه مناظرات ، وكان متروك الحديث ، ليس بثقة ، ولا يكتب حديثه ، وقيل : له «تفسير» كبير.
قال ابن حجر : مات بعد المائتين بيسير.
ينظر : ترجمته في «الأعلام» (٥ / ٨٣) (٥٤٠)
(٢) وقد حسنها أبو الفتح على مذهبه من الاعتزال.
ينظر : «المحتسب» (١ / ٢٦١) ، و «الشواذ» (٥١) ، و «الكشاف» (٢ / ١٦٥) و «المحرر الوجيز» (٢ / ٤٦١) ، و «البحر المحيط» (٤ / ٤٠٠) ، وزاد أبو حيان نسبتها إلى زيد بن علي ، ثم قال : وقال أبو عمرو الداني : لا تصح هذه القراءة عن الحسن وطاوس ، وعمرو بن فائد رجل سوء ، وقرأ بها سفيان بن عيينة مرة واستحسنها ، فقام إليه عبد الرحمن المقرئ وصاح به ، وأسمعه ، فقال سفيان : لم أدر ، ولم أفطن لما يقول أهل البدع.
ينظر : «الدر المصون» (٣ / ٣٥٣)
(٣) الشّحّ في الأصل هو : البخل ، وتشاحوا في الأمر وعليه : شح بعضهم على بعض ، وتبادروا إليه حذر فوته ، وكان المعنى هنا مأخوذ من الحرص على المحافظة على أساس الدين.
ينظر : «لسان العرب» (٢٢٠٥)
(٤) نوف بن فضالة الحميري البكالي : إمام أهل دمشق في عصره ، من رجال الحديث ، ورد ذكره في «الصحيحين» وكان راويا للقصص ، وهو ابن زوجة كعب الأحبار ، ذكره البخاري في فصل : من مات ما بين التسعين إلى المائة.
ينظر : ترجمته في «الأعلام» (٨ / ٥٤) (٥١١)
(٥) أخرجه الطبري (٦ / ٨٢) برقم : (١٥٢٢٤) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٢ / ٤٦١)