اليهود والنصارى من الاشتراك الذي يظهر في قوله : (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) ، وخلصت هذه العدة لأمة محمّد / صلىاللهعليهوسلم ، قاله ابن عباس (١) وغيره. قلت : وهذه الآية الكريمة معلمة بشرف هذه الأمّة على العموم في كلّ من آمن بالله تعالى ، وأقرّ برسالة النبيّ صلىاللهعليهوسلم ثم هم يتفاوتون بعد في الشرف ؛ بحسب تفاوتهم في حقيقة الاتباعية للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، قال الغزّاليّ رحمهالله في «الإحياء» : وإنما أمّته صلىاللهعليهوسلم من اتبعه ، وما اتبعه إلّا من أعرض عن الدنيا ، وأقبل على الآخرة ، فإنه عليهالسلام ما دعا إلّا إلى الله ، واليوم الآخر ، وما صرف إلّا عن الدنيا والحظوظ العاجلة ، فبقدر ما تعرض عن الدنيا ، وتقبل على الآخرة ، تسلك سبيله الذي سلكه صلىاللهعليهوسلم ، وبقدر ما سلكت سبيله ، فقد اتبعته ، وبقدر ما اتبعته ، صرت من أمته ، وبقدر ما أقبلت على الدنيا ، عدلت عن سبيله ، ورغبت عن متابعته ، والتحقت بالذين قال الله تعالى فيهم : (فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى) [النازعات : ٣٧ ، ٣٨ ، ٣٩]. انتهى ، فإن أردتّ اتباع النبيّ صلىاللهعليهوسلم على الحقيقة ، واقتفاء أثره ، فابحث عن سيرته وخلقه في كتب الحديث والتفسير.
قال ابن القطّان في تصنيفه الذي صنّفه في «الآيات والمعجزات» : والقول الوجيز في زهده وعبادته وتواضعه وسائر حلاه ومعاليه صلىاللهعليهوسلم : أنه ملك من أقصى اليمن إلى صحراء عمان إلى أقصى الحجاز ، ثم توفّي عليهالسلام ، وعليه دين ، ودرعه مرهونة في طعام لأهله ، ولم يترك دينارا ولا درهما ، ولا شيّد قصرا ، ولا غرس نخلا ، ولا شقّق نهرا ، وكان يأكل على الأرض ويجلس على الأرض ، ويلبس العباءة ، ويجالس المساكين ، ويمشي في الأسواق ، ويتوسّد يده ، ويلعق أصابعه ، ويرقّع ثوبه ، ويخصف نعله ، ويصلح خصّه ، ويمهن لأهله ، ولا يأكل متكئا ، ويقول : «أنا عبد آكل كما يأكل العبد» ، ويقتصّ من نفسه ، ولا يرى ضاحكا ملء فيه ولو دعي إلى ذراع ، لأجاب ، ولو أهدي إليه كراع لقبل ، لا يأكل وحده ، ولا يضرب عبده ، ولا يمنع رفده ولا ضرب قطّ بيده إلّا في سبيل الله ، وقام لله حتّى تورّمت قدماه ، فقيل له : أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ فقال : «أفلا أكون عبدا شكورا» ، وكان يسمع لجوفه أزير ؛ كأزيز المرجل (٢) من البكاء ؛ إذا قام بالليل صلىاللهعليهوسلم وعلى آله وأتباعه صلاة دائمة إلى يوم القيامة. انتهى.
__________________
(١) أخرجه الطبري (٦ / ٨٣) برقم : (١٥٢٢٥) ، وبرقم : (١٥٢٢٦) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٢ / ٤٦٢) ، والسيوطي (٣ / ٢٤١) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.
(٢) المرجل : القدر من الحجارة والنّحاس. مذكر.
ينظر : «لسان العرب» (١٦٠١)