قلت : قال ابن هشام في «المغني» ولام التقوية هي المزيدة لتقوية عامل ضعف ؛ إما لتأخير ؛ نحو : (لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) ، و (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) [يوسف : ٤٣] أو لكونه فرعا في العمل ؛ نحو : (مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ) [البقرة : ٩١] (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [البروج : ١٦] ، وقد اجتمع التأخير والفرعية في : (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) [الأنبياء : ٧٨]. انتهى.
وقوله : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ ...) الآية : قال الفخر (١) : قال جماعة النحويّين : معناه : واختار موسى من قومه ، فحذف «من» ، يقال : اخترت من الرجال زيدا ، واخترت الرجال زيدا. انتهى.
قال* ع (٢) * : معنى هذه الآية أن موسى عليهالسلام اختار من قومه هذه العدّة ؛ ليذهب بهم إلى موضع عبادة وابتهال ودعاء ، فيكون منه ومنهم اعتذار إلى الله سبحانه من خطإ بني إسرائيل في عبادة العجل ، وقد تقدّم في «سورة البقرة» [البقرة : ٥١] قصصهم ، قالت فرقة من العلماء : إنّ موسى عليهالسلام لمّا أعلمه الله سبحانه بعبادة بني إسرائيل العجل ، وبصفته ، قال موسى : أي ربّ ، ومن اختاره؟ قال : أنا ، قال موسى : فأنت ، يا ربّ ، أضللتهم ، (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ) أي : إنّ الأمور بيدك تفعل ما تريد.
(وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (١٥٦) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(١٥٧)
وقوله سبحانه : (وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً ...) الآية : (اكْتُبْ) : معناه : اثبت واقض ، والكتب : مستعمل في كلّ ما يخلّد ، و (حَسَنَةً) : لفظ عامّ في كل ما يحسن في الدنيا من عاقبة وطاعة لله سبحانه ، وغير ذلك ، وحسنة الآخرة : الجنّة ، لا حسنة دونها ، ولا مرمى وراءها ، و (هُدْنا) ـ بضم الهاء ـ : معناه : تبنا.
وقوله سبحانه : (قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ) ، يحتمل أن يريد ب «العذاب»
__________________
(١) ينظر : «تفسير الرازي» (١٥ / ١٥)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ٤٥٩)