مُوسى وَقَوْمَهُ ...) الآية : مقالة تتضمّن إغراء فرعون وتحريضه ، وقولهم : (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) ، روي أن فرعون كان في زمنه للناس آلهة من بقر ، وأصنام ، وغير ذلك ، وكان فرعون قد شرع ذلك ، وجعل نفسه الإله الأعلى فقوله على هذا (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) [النازعات : ٢٤] إنما يريد : بالنّسبة إلى تلك المعبودات.
وقيل : إن فرعون كان يعبد حجرا يعلّقه في صدره. كأنه / ياقوتة أو نحوها ، وعن الحسن نحوه ، وقوله : (سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ) ، المعنى : سنستمرّ على ما كنا عليه من تعذيبهم ، وقوله : (وَإِنَّا فَوْقَهُمْ) ، يريد : في المنزلة ، والتمكّن من الدنيا ، و (قاهِرُونَ) : يقتضي تحقير أمرهم ، أي : هم أقلّ من أن يهتمّ بهم. قلت : وهذا من عدوّ الله تجلّد ، وإلّا فقد قال فيما أخبر الله سبحانه به عنه : (إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) [الشعراء : ٥٤ ، ٥٥ ، ٥٦].
(قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (١٢٨) قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٢٩) وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٣٠) فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣١) وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ)(١٣٢)
وقوله سبحانه : (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا ...) الآية : لما قال فرعون (سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ) ، وتوعدهم ، قال موسى لبني إسرائيل ، يثبتهم ، ويعدهم عن الله تعالى : (اسْتَعِينُوا بِاللهِ) ، والأرض هنا : أرض الدنيا ، وهو الأظهر.
وقيل : المراد هنا أرض الجنّة ، وأما في الثانية ، فأرض الدنيا لا غير ، والصّبر في هذه الآية : يعمّ الانتظار الذي هو عبادة ، والصّبر في المناجزات ، والبأس ، وقولهم : (أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا) ، يعنون به الذّبح الذي كان في المدّة التي كان فرعون يتخوّف فيها أن يولد المولود الذي يخرّب ملكه ، (وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا) ، يعنون به وعيد فرعون ، وسائر ما كان خلال تلك المدّة ، من الإخافة لهم.
وقال ابن عباس (١) والسدّيّ (٢) : إنما قالت بنو إسرائيل هذه المقالة ، حين اتّبعهم
__________________
(١) أخرجه الطبري (٦ / ٢٩) برقم : (١٤٩٨٤) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٤٤٢)
(٢) أخرجه الطبري (٦ / ٢٩) برقم : (١٤٩٨٣) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٢ / ٤٤٢)