فرعون ، واضطرّهم إلى البحر.
قال* ع (١) * : وبالجملة فهو كلام يجري مع المعهود من بني إسرائيل ؛ من اضطرابهم على أنبيائهم ، وقلّة يقينهم ، واستعطاف موسى لهم بقوله : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ) ، ووعده لهم بالاستخلاف في الأرض ، يدلّ على أنه يستدعي نفوسا نافرة ؛ ويقوّي هذا الظنّ في جهة بني إسرائيل سلوكهم هذا السبيل في غير ما قصّة ، وقوله : (فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) تنبيه وحضّ على الاستقامة ، ولقد استخلفوا في مصر في زمن داود وسليمان ، وقد فتحوا بيت المقدس مع يوشع.
وقوله سبحانه : (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ) ، أي : بالجدوب والقحوط ، وهذه سيرة الله في الأمم ، وقوله : (وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ) ، أي : حتى روي أن النخلة من نخلهم لا تحمل إلا ثمرة واحدة ، وقال نحوه رجاء بن حيوة (٢) وفعل الله تعالى بهم هذا ؛ لينيبوا ويزدجروا عمّا هم عليه من الكفر ؛ إذ أحوال الشدّة ترقّ معها القلوب ، وترغب فيما عند الله سبحانه.
وقوله عزوجل : (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ ...) الآية : كان القصد في إصابتهم بالقحط والنقص في الثمرات أن ينيبوا ويرجعوا ، فإذا هم قد ضلّوا ، وجعلوها تشاؤما بموسى ، فكانوا إذا اتّفق لهم اتفاق حسن في غلّات ونحوها ، قالوا : هذه لنا ، وبسببنا ، وإذا نالهم ضرّ ، قالوا : هذا بسبب موسى وشؤمه ؛ قاله مجاهد (٣) وغيره ، وقرأ الجمهور (٤) «يطّيّروا» ـ بالياء وشدّ الطاء والياء الأخيرة ـ ، وقرأ طلحة بن مصرّف (٥) وغيره : «تطيروا» ـ بالتاء وتخفيف الطاء ـ ، وقرأ (٦) مجاهد : «تشاءموا بموسى» ـ بالتاء من فوق ـ وبلفظ الشؤم.
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ٤٤٢)
(٢) أخرجه الطبري (٦ / ٢٩ ـ ٣٠) برقم : (١٤٩٨٨) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٤٤٣) ، وابن كثير (٢ / ٢٣٩) ، والسيوطي (٣ / ٢٠٢) ، وعزاه لابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.
(٣) أخرجه الطبري (٦ / ٣٠) برقم : (١٤٩٩٢) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٤٤٣) ، والسيوطي (٣ / ٢٠٢) ، وعزاه لابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.
(٤) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ٤٤٣) ، و «البحر المحيط» (٤ / ٣٧٠) ، و «الدر المصون» (٣ / ٣٢٧)
(٥) وهي قراءة عيسى بن عمر.
ينظر : «الشواذ» (٥٠) ، و «المحرر الوجيز» (٢ / ٤٤٣) ، و «البحر المحيط» (٤ / ٣٧٠) ، و «الدر المصون» (٣ / ٣٢٧)
(٦) قال أبو حيان : فينبغي أن يحمل ذلك على التفسير لا على أنه قرآن ؛ لمخالفته سواد المصحف.
ينظر «البحر المحيط» (٤ / ٣٧٠) ، و «المحرر الوجيز» (٢ / ٤٤٣)