فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (١٢٣) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (١٢٤) قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (١٢٥) وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ (١٢٦) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ)(١٢٧)
وقوله سبحانه : (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) ، لما رأى السحرة من عظيم القدرة ما تيقّنوا به نبوّة موسى ، آمنوا بقلوبهم ، وانضاف إلى ذلك الاستهوال والاستعظام والفزع من قدرة الله عزوجل ، فخرّوا لله سبحانه متطارحين قائلين بألسنتهم : (آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ).
قال* ع (١) * : وهارون أخو موسى أسنّ منه بثلاث سنين ، وقول فرعون : (آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) : دليل على وهنه ، وضعف أمره ؛ لأنه إنما جعل ذنبهم عدم إذنه ، والضمير في «به» يحتمل أن يعود على اسم الله سبحانه ، ويحتمل أن يعود على موسى عليهالسلام ، وعنّفهم فرعون على الإيمان قبل إذنه ، ثم ألزمهم أنّ هذا كان عن اتفاق منهم ، وروي في ذلك عن ابن عباس ، وابن مسعود ، أن موسى اجتمع مع رئيس السّحرة ، واسمه شمعون ، فقال له موسى : أرأيت إن غلبتكم ؛ أتؤمنون بي ، فقال : نعم ، فعلم بذلك فرعون ؛ فلهذا قال : إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة ، ثم توعّدهم (٢).
وقوله سبحانه : (قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا ..) الآية : هذا استسلام من مؤمني السّحرة ، واتكال على الله سبحانه ، وثقة بما عنده ، وقرأ الجمهور (٣) : «تنقم» ـ بكسر القاف ـ ، ومعناه : وما تعدّ علينا ذنبا تؤاخذنا به إلّا أن آمنا ، قال ابن عبّاس وغيره فيهم : أصبحوا سحرة ، وأمسوا شهداء (٤) ، قال ابن عباس : لما آمنت السحرة اتّبع موسى ستّمائة ألف من بني إسرائيل (٥) ، وقول ملإ فرعون : (أَتَذَرُ
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ٤٤٠)
(٢) أخرجه الطبري (٦ / ٢٤) برقم : (١٤٩٦٣) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٤٤٠) ، وابن كثير (٢ / ٢٣٨)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ٤٤١) ، و «البحر المحيط» (٤ / ٣٦٦)
(٤) أخرجه الطبري (٦ / ٢٥) برقم : (١٤٩٦٥) ، وذكره ابن كثير (٢ / ٢٣٨)
(٥) ذكره ابن عطية (٢ / ٤٤١) ، والبغوي (٢ / ١٩٠)