وقوله سبحانه : (وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ ...) الآية : أخبر سبحانه أنه لم يجد لأكثرهم ثبوتا على العهد الذي أخذه سبحانه على ذريّة آدم وقت استخراجهم من ظهره ؛ قاله أبو العالية (١) عن أبيّ بن كعب ، ويحتمل أن يكون المعنى : وما وجدنا لأكثرهم التزام عهد ، وقبول وصاة ممّا جاءتهم به الرسل عن الله ، ولا شكروا نعم الله عزوجل.
قال* ص* : (لِأَكْثَرِهِمْ) : يحتمل أن يعود على «النّاس» أو على (أَهْلَ الْقُرى) أو «الأمم الماضية». انتهى.
وقوله سبحانه : (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها ...)
الآيات ؛ في هذه الآية : عامّ في التسع وغيرها ، والضمير في «من بعدهم» عائد على الأنبياء المتقدّم ذكرهم ، وعلى أممهم.
وقوله سبحانه : (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) : فيه وعيد ، وتحذير للكفرة المعاصرين لنبيّنا محمد صلىاللهعليهوسلم ، وقوله سبحانه : (وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) ، قرأ نافع (٢) وحده : «عليّ» بإضافة «على» إليه ، وقرأ الباقون : «على» بسكون الياء.
قال الفارسيّ : معنى هذه القراءة أنّ «على» وضعت موضع الباء ؛ كأنه قال : حقيق بأن لا أقول على الله إلّا الحقّ ، وقال قوم : «حقيق» صفة ل «رسول» ، تم عندها الكلام ، و «عليّ» : خبر مقدّم و «ألّا أقول» : ابتداء ، وإعراب «أن» ، على قراءة من سكّن الياء خفض ، وعلى قراءة من فتحها مشدّدة : رفع ، وفي قراءة عبد الله : «حقيق أن لا أقول» ، وهذه المخاطبة ـ إذا تأمّلت ـ غاية في التلطّف ، ونهاية في القول الليّن الذي أمر به عليهالسلام ، وقوله : (قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) «البينة» ؛ هنا إشارة إلى جميع آياته ، وهي على المعجزة منها أدلّ ، وهذا من موسى عليهالسلام عرض نبوّته ، ومن فرعون استدعاء خرق العادة الدالّ على الصدق ، وظاهر هذه الآية وغيرها أنّ موسى عليهالسلام لم تنبن شريعته إلا على بني إسرائيل فقط ، ولم يدع فرعون وقومه إلا إلى إرسال بني إسرائيل ، وذكره : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ
__________________
(١) أخرجه الطبري (٦ / ١٤) برقم : (١٤٩١٥) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٤٣٤) ، وابن كثير (٢ / ٢٣٥) ، والسيوطي (٣ / ١٩٥) ، وعزاه لابن أبي حاتم ، ولابن جرير.
(٢) ينظر : «الحجة» (٤ / ٥٦) ، و «السبعة» (٢٨٧) ، و «حجة القراآت» (٢٨٩) و «إعراب القراآت» (١ / ١٩٦) ، و «العنوان» (٩٦) ، و «شرح شعلة» (٣٩٣) ، و «شرح الطيبة» (٤ / ٣٠٣) ، و «إتحاف فضلاء البشر» (٢ / ٥٥) ، و «معاني القراآت» (١ / ٤١٤)