المناولة ، وإعمال القوّة «والزّبر» جمع زبرة ، وهي القطعة العظيمة منه ، والمعنى : فرصفه وبناه (حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) ، وهما الجبلان ، وقوله : (قالَ انْفُخُوا ...) إلى آخر الآية ، معناه : أنه كان يأمر بوضع طاقة من الزّبر والحجارة ، ثم يوقد عليها حتّى تحمى ثم يؤتى بالنّحاس المذاب أو بالرصاص أو بالحديد ؛ بحسب الخلاف في «القطر» ، فيفرغه على تلك الطاقة المنضّدة ، فإذا التأم واشتدّ ، استأنف رصف طاقة أخرى إلى أن استوى العمل ، وقال أكثر المفسّرين : «القطر» : النّحاس المذاب ، ويؤيّد هذا ما روي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم جاءه رجل فقال : يا رسول الله ، إنّي رأيت سدّ يأجوج ومأجوج ، فقال : كيف رأيته؟ قال : رأيته كالبرد المحبّر ؛ طريقة صفراء ، وطريقة حمراء ، وطريقة سوداء ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم «قد رأيته» (١) و (يَظْهَرُوهُ) ومعناه : يعلونه بصعود فيه ؛ ومنه قوله في «الموطّإ» ، و «الشمس في حجرتها قبل أن تظهر» ، (وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) لبعد عرضه وقوّته ، ولا سبيل سوى هذين : إما ارتقاء ، وإما نقب ، وروي أن في طوله ما بين طرفي الجبلين مائة فرسخ ، وفي عرضه خمسين فرسخا ، وروي غير هذا مما لم نقف على صحّته ، فاختصرناه ، إذ لا غاية للتخرّص ؛ وقوله في الآية (انْفُخُوا) يريد بالأكيار.
وقوله : (هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ...) الآية : القائل ذو القرنين ، وأشار ب (هذا) إلى الرّدم والقوة عليه ، والانتفاع به ، والوعد يحتمل أن يريد به يوم القيامة ، ويحتمل أن يريد به وقت خروج يأجوج ومأجوج ، وقرأ (٢) نافع وغيره : «دكّا» مصدر «دكّ يدك» ، إذا هدم ورض ، وناقة دكّاء لا سنام لها ، والضمير في (تَرَكْنا) لله عزوجل.
وقوله : (يَوْمَئِذٍ) يحتمل أن يريد به يوم القيامة ، ويحتمل أن يريد به يوم كمال السّدّ ، والضمير في قوله : (بَعْضَهُمْ) على هذا ليأجوج ومأجوج ، واستعارة الموج لهم عبارة عن الحيرة ، وتردّد بعضهم في بعض ، كالمولّهين من همّ وخوف ونحوه ، فشبّههم بموج البحر الذي يضطرب بعضه في بعض.
وقوله : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ...) إلى آخر الآية : يعني به يوم القيامة بلا احتمال
__________________
ينظر : «إتحاف» (٢ / ٢٢٧) ، و «المحرر الوجيز» (٣ / ٥٤٣) ، و «الحجة للقراء السبعة» (٥ / ١٧٧ ـ ١٧٨) ، و «معاني القراءات» (٢ / ١٢٦) ، و «شرح شعلة» (٤٨٢)
(١) ينظر : «تفسير القرطبي» (١١ / ٦٢)
(٢) وقرأ بها أبو عمرو ، وابن عامر.
ينظر : «السبعة» (٤٠٢) ، و «الحجة» (٥ / ١٨٢) ، و «إعراب القراءات» (١ / ٤٢٢) ، و «حجة القراءات» (٤٣٥) ، و «العنوان» (١٢٥) ، و «إتحاف» (٢ / ٢٢٨)