والله أعلم بصّحته.
و (يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) : قبيلان من بني آدم ، لكنّهم ينقسمون أنواعا كثيرة ، اختلف الناس في عددها ، واختلف في إفسادهم الذي وصفوهم به ، فقيل : أكل بني آدم ، وقالت فرقة : إفسادهم : هو الظّلم والغشم وسائر وجوه الإفساد المعلوم من البشر ، وهذا أظهر الأقوال ، وقولهم : (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً) : استفهام على جهة حسن الأدب ، «والخرج» : المجبى ، وهو الخراج ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي : (١) «خراجا» ، وروي في أمر يأجوج ومأجوج أنّ أرزاقهم هي من التّنّين يمطرون به ، ونحو هذا مما لم يصحّ ، وروي أيضا أنّ الذّكر منهم لا يموت حتى يولد له ألف والأنثى كذلك ، وروي أنهم يتسافدون في الطّرق كالبهائم ، وأخبارهم تضيق بها الصّحف ، فاختصرت ذلك ؛ لعدم صحّته.
* ت* : والذي يصحّ من ذلك كثرة عددهم على الجملة ، على ما هو معلوم من حديث : «أخرج بعث النّار» وغيره من الأحاديث.
وقوله : (ما مَكَّنِّي / فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ) المعنى : قال لهم ذو القرنين : ما بسطه الله لي من القدرة والملك خير من خراجكم ، ولكن أعينوني بقوّة الأبدان ، وهذا من تأييد الله تعالى له ، فإنه تهدّى في هذه المحاورة إلى الأنفع الأنزه ، فإنّ القوم لو جمعوا له الخراج الذي هو المال ، لم يعنه منهم أحد ، ولوكّلوه إلى البنيان ، ومعونتهم بالقوّة أجمل به.
(آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (٩٦) فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧) قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (٩٨) وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً)(٩٩)
وقوله : (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ...) الآية : قرأ حمزة (٢) وغيره : «ائتوني» بمعنى «جيئوني» ، وقرأ نافع وغيره : «آتوني» بمعنى «أعطوني» ، وهذا كله إنما هو استدعاء
__________________
(١) الثابت أن الأخوين حسب من السبعة قرآ هذا الحرف هكذا ، وإنما تابع المصنف ابن عطية في ذكره عاصما.
ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٥٤٢) ، و «السبعة» (٤٠٠) ، و «الحجة» (٥ / ١٧٤) ، و «إعراب القراءات» (١ / ٤١٩) ، و «معاني القراءات» (٢ / ١٢٤) ، و «شرح الطيبة» (٥ / ٢٢) ، و «العنوان» (١٢٤) ، و «حجة القراءات» (٤٣٣) ، و «شرح شعلة» (٤٨٠) ، و «إتحاف» (٢ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦)
(٢) والمقصود أن حمزة قرأ : «ائتوني» الثانية من الآية هكذا ، وإلا فإن الأولى قرأها أبو بكر ، عن عاصم «ائتوني» ، دون حمزة ، فلم يقرأها هكذا.