وفي رواية : «والله ، ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلّا كما أخذ / هذا الطّائر بمنقاره من البحر» ، وفي رواية : «ما علمي وعلمك وعلم الخلائق في علم الله إلّا مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره» (١).
قال (٢) * ع* : وهذا التشبيه فيه تجوّز ؛ إذ لا يوجد في المحسوسات أقوى في القلّة من نقطة بالإضافة إلى البحر ، فكأنها لا شيء ، ولم يتعرّض الخضر لتحرير موازنة بين المثال وبين علم الله تعالى ، إذ علمه سبحانه غير متناه ، ونقط البحر متناهية ، ثم خرج من السفينة ، فبينما هما يمشيان على السّاحل ، إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان ، فأخذ الخضر رأسه بيده ، فاقتلعه فقتله ، فقال له موسى : أقتلت نفسا زاكية.
قال (٣) * ع* : قيل : كان هذا الغلام لم يبلغ الحلم ، فلهذا قال موسى : نفسا زاكية ، وقالت فرقة : بل كان بالغا.
وقوله : (بِغَيْرِ نَفْسٍ) يقتضي أنه لو كان عن قتل نفس ، لم يكن به بأس ، وهذا يدلّ على كبر الغلام ، وإلا فلو كان لم يحتلم ، لم يجب قتله بنفس ولا بغير نفس.* ت* : وهذا إذا كان شرعهم كشرعنا ، وقد يكون شرعهم أنّ النفس بالنفس عموما في البالغ وغيره ، وفي العمد والخطأ ؛ فلا يلزم من الآية ما ذكر.
وقوله : (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً) معناه : شيئا ينكر.
قال* ع* (٤) : ونصف القرآن بعدّ الحروف. انتهى إلى النون من قوله : (نُكْراً).
(قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٥) قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (٧٦) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (٧٧) قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٧٨) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (٧٩) وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (٨٠) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (٨١)
__________________
(١) أخرجه الحاكم (٢ / ٣٦٩) من حديث أبي بن كعب ، وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي.
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٥٣١)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٥٣٢)
(٤) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٥٣٢)