مجاهد (١) ، وفي الحديث الصحيح : «ثمّ انطلق ، وانطلق معه / فتاه يوشع بن نون ، حتّى أتيا الصّخرة وضعا رؤوسهما ، فناما ، واضطرب الحوت في المكتل ، فخرج منه فسقط في البحر ، واتّخذ سبيله في البحر سربا ، أي : مسلكا في جوف الماء ، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء ، فصار عليه مثل الطّاق ، فلمّا استيقظ ، نسي صاحبه أن يخبره بالحوت ، فانطلقا بقيّة يومهما ، وليلتهما حتّى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه : (آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) ويعني ب «النصب» تعب الطريق ، قال : ولم يجد موسى النّصب حتّى جاوز المكان الذي أمره الله به ، قال له فتاه : (أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) ، يريد : ذكر ما جرى فيه ، (وَما أَنْسانِيهُ) ، أي أن أذكره (إِلَّا الشَّيْطانُ) ، و (اتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً) قال : فكان للحوت سربا ولموسى وفتاه عجبا ، فقال موسى : (ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً) ، قال : فرجعا يقصّان آثارهما حتّى انتهيا إلى الصخرة ، فإذا رجل مسجّى بثوب ، فسلّم عليه موسى ، فقال الخضر : وأنّى بأرضك السّلام قال : أنا موسى ، قال : موسى بني إسرائيل؟ قال : نعم ، أتيتك لتعلّمني ممّا علّمت رشدا ، (قالَ : إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) يعني : لا تطيق أن تصبر على ما تراه من عملي لأن الظواهر التي هي علمك لا تعطيه ، وكيف تصبر على ما تراه خطأ ، ولم تخبر بوجه الحكمة فيه؟ يا موسى ، إني على علم من علم الله ، علّمنيه لا تعلمه ، يريد : علم الباطن ، وأنت على علم من علم الله علّمكه الله ، لا أعلمه ، يريد : علم الظاهر ، فقال له موسى : (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) ، فقال له الخضر : (فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) ، أي : حتى أشرح لك ما ينبغي شرحه ، فانطلقا يمشيان على ساحل البحر ، فمرت بهم سفينة ، فكلّموهم أن يحملوهم ، فعرفوا الخضر ، فحملوهم بغير نول ، يقول : بغير أجر ، فلما ركبا في السفينة ، لم يفجأ موسى إلّا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم ، فقال له موسى ؛ قوم حملونا بغير نول ، عمدتّ إلى سفينتهم ، فخرقتها لتغرق أهلها ، (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) ، أي شنيعا من الأمور ، وقال مجاهد : الإمر المنكر (٢) ، (قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً) قال أبيّ بن كعب ، قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : فكانت الأولى من موسى نسيانا ، قال : وجاء عصفور ، فوقع على حرف السّفينة ، فنقر في البحر نقرة ، فقال له الخضر : ما علمي وعلمك من علم الله إلّا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر» ،
__________________
(١) أخرجه الطبري (٨ / ٢٤٧) برقم : (٢٣١٧٩) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٥٢٨)
(٢) أخرجه الطبري (٨ / ٢٥٧) برقم : (٢٣٢١٨) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٥٣١) ، وابن كثير (٣ / ٩٧)