وقوله سبحانه : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ...) الآية : تقدّم تفسيرها.
وقوله سبحانه : (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ) ، أي : لا تتجاوز عنهم إلى أبناء الدنيا ، وقرأ (١) الجمهور : «من أغفلنا قلبه» بنصب الباء على معنى جعلناه غافلا ، «والفرط» : يحتمل أن يكون بمعنى التفريط ، ويحتمل أن يكون بمعنى الإفراط والإسراف ، وقد فسّره المتأوّلون بالعبارتين.
(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً)(٢٩)
وقوله سبحانه : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) المعنى : وقل لهم يا محمّد هذا القرآن هو الحقّ ، * ت* : وقد ذم الله تعالى الغافلين عن ذكره والمعرضين عن آياته في غيرما آية من كتابه ، فيجب الحذر مما وقع فيه أولئك ، ولقد أحسن العارف في قوله : غفلة ساعة عن ربّك مكدّرة لمرآة قلبك ، فكيف بغفلتك جميع عمرك. وقد روي أبو هريرة عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : «ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلّوا على نبيّهم ، إلّا كان عليهم ترة ، فإن شاء عذّبهم وإن شاء غفر لهم» (٢) رواه أبو داود والترمذيّ والنسائي والحاكم وابن
__________________
(١) هذه قراءة الجمهور ، وقد قرأ عمرو بن فائد ، وموسى الأسواري : «من أغفلنا قلبه».
قال أبو الفتح : يقال أغفلت الرجل : وجدته غافلا ... فإن قيل : فكيف يجوز أن يجد الله غافلا؟ قيل : لما فعل أفعال من لا يرتقب ولا يخاف ، صار كأن الله سبحانه غافل عنه. «المحتسب» (٢ / ٢٨) ، قلت : يعني أنه ظننا غافلين عنه.
والقراءة ذكرها ابن عطية في «المحرر» (٣ / ٥١٣) ، ثم قال : وذكر أبو عمرو الداني أنها قراءة عمرو بن عبيد.
وينظر : «البحر المحيط» (٦ / ١١٤) ، و «الدر المصون» (٤ / ٤٥٠)
(٢) أخرجه الترمذي (٥ / ٤٦١) كتاب «الدعاء» باب : في القوم يجلسون ولا يذكرون الله ، حديث (٣٣٨٠) ، والحاكم (١ / ٤٩٦) ، وأحمد (٢ / ٤٤٦ ، ٤٨١ ، ٤٨٤ ، ٤٩٥) ، وإسماعيل القاضي في «في فضل الصلاة على النبي» (٥٤) ، وابن السني في «عمل اليوم والليلة» (٤٤٣) ، من طريق سفيان الثوري ، عن صالح مولى التوأمة ، عن أبي هريرة مرفوعا ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وقد روي من غير وجه ، عن أبي هريرة ا ه.
وأخرجه أبو داود (٢ / ٦٨٠) كتاب «الأدب» باب : كراهية أن يقوم الرجل من مجلسه ولا يذكر الله ، حديث (٤٨٥٦) ، والنسائي في «عمل اليوم والليلة» (٤٠٤) ، وابن حبان (٨٥٣) من طريق سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، وأخرجه أحمد (٢ / ٤٣٢) من طريق إسحاق مولى عبد الله بن الحارث ، عن أبي هريرة ، وذكر هذا الطريق الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١٠ / ٨٣) وقال : وأبو إسحاق مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل لم يوثقه أحد ، ولم يجرحه ، وبقية رجال أحد إسنادي أحمد ثقات.