حبّان في «صحيحهما» وهذا لفظ الترمذيّ ، وقال : حديث حسن ، وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ، «والتّرة» ـ بكسر التاء المثنّاة من فوق وتخفيف الراء ـ النقص ، وقيل : التبعة ، ولفظ ابن حبّان : «إلّا كان عليهم حسرة يوم القيامة ، وإن دخلوا الجنّة» انتهى من «السلاح».
وقوله : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ ...) الآية : توعّد وتهديد ، أي : فليختر كلّ امرئ لنفسه ما يجده غدا عند الله عزوجل ، وقال الداوديّ ، عن ابن عباس : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) يقول : من شاء الله له الإيمان ، آمن ، ومن شاء له الكفر ، كفر ، هو كقوله : (وَما تَشاؤُنَ / إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) [التكوير : ٢٩] (١) وقال غيره : هو كقوله : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) [فصلت : ٤٠] بمعنى الوعيد ، والقولان معا صحيحان. انتهى و (أَعْتَدْنا) مأخوذ من العتاد ، وهو الشيء المعدّ الحاضر ، «والسّرادق» هو الجدار المحيط كالحجرة التي تدور وتحيط بالفسطاط ، قد تكون من نوع الفسطاط أديما أو ثوبا أو نحوه ، وقال الزّجّاج (٢) : «السّرادق» : كل ما أحاط بشيء ، واختلف في سرادق النار ، فقال ابن عباس : سرادقها حائط من نار (٣) ، وقالت فرقة : سرادقها دخان يحيط بالكفّار ، وهو قوله تعالى : (انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) [المرسلات : ٣٠] وقيل غير هذا ، وروي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم من طريق أبي سعيد الخدريّ ؛ أنه قال سرادق النّار أربعة جدر كثف عرض كلّ جدار مسيرة أربعين سنة (٤) و «المهل» قال أبو سعيد عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم : هو درديّ الزيت ، إذا انتهى حرّه (٥) ، وقال أبو سعيد وغيره : هو كلّ ما أذيب من ذهب أو فضة ، وقالت فرقة : «المهل» هو الصديد والدم إذا اختلطا ، ومنه قول أبي بكر رضي الله عنه في الكفن : إنما هو للمهلة (٦) ، يريد لما يسيل من الميّت في قبره ، ويقوى هذا بقوله سبحانه : (وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) [إبراهيم : ١٦] والمرتفق : الشيء الذي يطلب رفقه.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠) أُولئِكَ لَهُمْ
__________________
(١) أخرجه الطبري (٨ / ٢١٧) برقم : (٢٣٠٣٠) ، وذكره البغوي (٣ / ١٥٩) ، والسيوطي (٤ / ٣٩٩) بلفظ : «هذا تهديد ووعيد» ، وعزاه لابن أبي حاتم.
(٢) ينظر : «تفسير الزجاج» (٣ / ٢٨٢)
(٣) أخرجه الطبري (٨ / ٢١٧) برقم : (٢٣٠٣٤) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٥١٣) ، والبغوي (٣ / ١٦٠) ، وابن كثير (٣ / ٨١) ، والسيوطي (٤ / ٣٩٩) ، وعزاه لابن جرير.
(٤) تقدم تخريجه في سورة هود.
(٥) تقدم تخريجه.
(٦) ذكره ابن عطية (٣ / ٥١٤)