قال* ع* (١) : ويدلّ على هذا من الآية أنه سبحانه لمّا حكى قول من قال : ثلاثة ، وخمسة ، قرن بالقول ؛ أنه رجم بالغيب ، ثم حكى هذه المقالة ، ولم يقدح فيها بشيء ، وأيضا فيقوى ذلك على القول بواو الثمانية ؛ لأنها إنما تكون حيث عدد الثمانية صحيح.
وقوله سبحانه : (فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً) معناه على بعض الأقوال : أي : بظاهر ما أوحينا إليك ، وهو ردّ علم عدتهم إلى الله تعالى ، وقيل : معنى الظاهر ؛ أن يقول : ليس كما تقولون ، ونحو هذا ، ولا يحتجّ هو على أمر مقرّر في ذلك ، وقال التّبريزيّ : (ظاهِراً) معناه : ذاهبا وأنشد : [الطويل]
................... |
|
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها (٢) |
ولم يبح له في هذه / الآية أن يماري ، ولكن قوله : (إِلَّا مِراءً) مجاز من حيث يماريه أهل الكتاب ، سمّيت مراجعته لهم مراء ، ثم قيد بأنه ظاهر ، ففارق المراء الحقيقيّ المذموم ، و «المراء» : مشتقّ من المرية ، وهو الشكّ ، فكأنه المشاككة.* ت* : وفي سماع ابن القاسم ، قال : كان سليمان بن يسار ، إذا ارتفع الصوت في مجلسه ، أو كان مراء ، أخذ نعليه ، ثم قام. قال ابن رشد : هذا من ورعه وفضله ، و «المراء» في العلم منهيّ عنه ، فقد جاء أنه لا تؤمن فتنته ، ولا تفهم حكمته انتهى من «البيان».
والضمير في قوله : (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ) عائد على أهل الكهف ، وفي قوله : (مِنْهُمْ) عائد على أهل الكتاب.
وقوله : (فَلا تُمارِ فِيهِمْ) ، أي : في عدّتهم.
(وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (٢٤) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (٢٥) قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً)(٢٦)
وقوله سبحانه : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) قد تقدّم
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٥٠٨)
(٢) عجز بيت لأبي ذؤيب وصدره :
وعيّرها الواشون أني أحبّها |
|
.................. |
وهو في ديوانه (١ / ٢١) ، و «اللسان» (ظهر)