وقوله : (رَجْماً بِالْغَيْبِ) : معناه ظنّا وهو مستعار من الرجم ، كأن الإنسان يرمي الموضع المشكل المجهول عنده بظنه المرة بعد المرّة يرجمه به ، عسى أن يصيبه ، والواو في قوله : (وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) : طريق النحاة فيها أنها واو عطف دخلت في آخر الكلام ؛ إخبارا عن عددهم ، لتفصّل أمرهم ، وتدلّ على أن هذا نهاية ما قيل ، ولو سقطت ، لصح الكلام ، وتقول فرقة منهم ابن خالويه : هي (١) واو الثمانية ، وذكر ذلك الثعلبيّ عن أبي بكر بن عيّاش وأن قريشا كانت تقول في عددها : ستة ، سبعة وثمانية تسعة ، فتدخل الواو في الثمانية (٢).
قال* ع* (٣) : وهي في القرآن في قوله : (وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [التوبة : ١١٢] وفي قوله : (وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) [الزمر : ٧٣] وأما قوله : (وَأَبْكاراً) [التحريم : ٥] وقوله : (وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ) [الحاقة : ٧] فليست بواو الثمانية بل هي لازمة إذ لا يستغني الكلام عنها ، وقد أمر الله سبحانه نبيّه في هذه الآية ، أن يرد علم عدّتهم إليه ، ثم قال : (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) يعني : من أهل الكتاب ، وكان ابن عبّاس ؛ يقول : أنا من ذلك القليل (٤) ، وكانوا سبعة ، وثامنهم كلبهم.
__________________
(١) في هذه الواو أوجه :
«أحدها» : أنها عاطفة ، عطفت هذه الجملة على جملة قوله : هم سبعة ، فيكونون قد أخبروا بخبرين : «أحدهما» : أنهم سبعة رجال على البت.
«والثاني» : أن ثامنهم كلبهم ، وهذا يؤذن بأن جملة قوله : (وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) من المتنازعين فيهم.
«والثاني» : أن الواو للاستئناف ، وأنه من كلام الله تعالى أخبر عنهم بذلك ، قال هذا القائل. وجيء بالواو لتعطي انقطاع هذا مما قبله.
«الثالث» : أنها الواو الداخلة على الصفة تأكيدا ، ودلالة على لصوق الصفة بالموصوف ، وإليه ذهب الزمخشري ، ونظره بقوله : (مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ).
وردّ الشيخ عليه «بأنّ أحدا من النّحاة لم يقله».
«الرابع» : أن هذه الواو تسمى واو الثمانية ، وأنّ لغة قريش إذا عدوا يقولون : خمسة ، ستة ، سبعة ، وثمانية ، تسعة ، فيدخلون الواو على عقد الثمانية خاصة. ذكر ذلك ابن خالويه ، وأبو بكر راوي عاصم. قلت : وقد قال ذلك بعضهم ، في قوله تعالى : (وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) في الزمر ، فقال : دخلت في أبواب الجنة ، لأنها ثمانية ، ولذلك لم يجأ بها في أبواب جهنم ، لأنها سبعة.
ينظر : «الدر المصون» (٤ / ٤٤٥ ـ ٤٤٦)
(٢) ذكره ابن عطية (٣ / ٥٠٨)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٥٠٨)
(٤) أخرجه الطبري (٨ / ٢٠٦) برقم : (٢٢٩٧٥) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٥٠٨) ، والبغوي (٣ / ١٥٦ ـ ١٥٧) ، وابن كثير (٣ / ٧٨) ، والسيوطي (٤ / ٣٩٣) ، وعزاه لعبد الرزاق ، والفريابي ، وابن سعد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.