قال* ع* (١) : فهي في معنى قوله : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) [القلم : ٩] ، وأما لثقيف ، فقال ابن عباس وغيره : لأنهم طلبوا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يؤخرهم بعد إسلامهم س نة يعبدون فيها اللّات ، وقالوا : إنما نريد أن نأخذ ما يهدى لها ولكن إن خفت أن تنكر / ذلك عليك العرب ، فقل : أوحى الله ذلك إليّ ، فنزلت الآية في ذلك (٢).* ت* : والله أعلم بصحّة هذه التأويلات ، وقد تقدّم ما يجب اعتقاده في حقّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فالتزمه تفلح.
وقوله : (وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً) : توقيف على ما نجاه الله منه من مخالّة الكفّار ، والولاية لهم.
(وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (٧٤) إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً)(٧٥)
وقوله سبحانه : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ ...) الآية تعديد نعمه على النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وروي أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم لما نزلت هذه الآية ، قال : «اللهمّ ، لا تكلني إلى نفسي طرفة (٣) عين» وقرأ الجمهور (٤) (تركن) بفتح الكاف ، والنبيّ صلىاللهعليهوسلم لم يركن ، لكنّه كاد بحسب همّه بموافقتهم ؛ طمعا منه في استئلافهم ، وذهب ابن الأنباريّ إلى أن معنى الآية : لقد كادوا أن يخبروا عنك أنّك ركنت ونحو هذا ؛ ذهب في ذلك إلى نفي الهمّ عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فحمّل اللفظ ما لا يحتمل ؛ وقوله : (شَيْئاً قَلِيلاً) يبطل ذلك.
* ت* : وجزى الله ابن الأنباريّ خيرا ، وإن تنزيه سائر الأنبياء لواجب ، فكيف بسيّد ولد آدم صلّى الله عليه وعليهم أجمعين.
قال أبو الفضل عياض في «الشّفا» : قوله تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) : قال بعض المتكلّمين : عاتب الله تعالى نبيّنا عليهالسلام قبل وقوع ما يوجب العتاب ؛ ليكون بذلك أشدّ انتهاء ومحافظة لشرائط المحبّة ، وهذه غاية العناية ، ثم انظر كيف بدأ بثباته وسلامته قبل ذكر ما عاتبه عليه ، وخيف أن يركن إليه ، وفي أثناء عتبه
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٤٧٥)
(٢) أخرجه الطبري (٨ / ١١٩) برقم : (٢٢٥٤٠) ، وذكره البغوي (٣ / ١٢٦) بنحوه ، وابن عطية (٣ / ٤٧٥) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٥٣) ، وعزاه لابن جرير ، وابن مردويه.
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) وقرأ ابن مصرف ، وقتادة ، وعبد الله بن أبي إسحاق «تركن» بضم الكاف.
ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٤٧٥) ، و «البحر المحيط» (٦ / ٦٢) ، و «الدر المصون» (٤ / ٤١٠)