لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (١٨) وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (١٩) كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً)(٢٠)
وقوله سبحانه : (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها) قرأ الجمهور (١) : «أمرنا» ؛ على صيغة الماضي ، وعن نافع وابن كثير ، في بعض ما روي عنهما : «آمرنا» بمد الهمزة ؛ بمعنى كثّرنا ، وقرأ أبو عمرو بخلاف عنه : «أمّرنا» بتشديد الميم ، وهي قراءة أبي عثمان النّهديّ ، وأبي العالية وابن عبّاس ، ورويت عن علي ، قال الطبري (٢) القراءة الأولى معناها : أمرناهم بالطّاعة ، فعصوا وفسقوا فيها ، وهو قول ابن عباس (٣) وابن جبير ، والثانية : معناها : كثّرناهم ، والثالثة : هي من الإمارة ، أي ملّكناهم على الناس ، قال الثعلبي : واختار أبو عبيد وأبو حاتم قراءة الجمهور ، قال أبو عبيد : وإنما اخترت هذه القراءة ، لأنّ المعاني الثلاثة مجتمعة فيها ، وهي معنى الأمر والإمارة والكثرة انتهى.
* ت* : وعبارة ابن العربي (٤) : (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) يعني بالطاعة ، ففسقوا بالمخالفة انتهى من كلامه على الأفعال الواقعة في القرآن ، «والمترف» : الغنيّ من المال المتنعّم ، والتّرفه : النّعمة ، وفي مصحف أبيّ بن كعب : «قرية بعثنا أكابر مجرميها فمكروا فيها».
وقوله سبحانه : (فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ) ، أي : وعيد الله لها الذي قاله رسولهم ، «والتدمير» الإهلاك مع طمس الآثار وهدم البناء.
(وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ ...) الآية : مثال لقريش ووعيد لهم ، أي : لستم ببعيد مما حصلوا فيه إن كذبتم ، واختلف في القرن ، وقد روى محمّد بن القاسم في ختنه (٥) عبد الله بن بسر ، قال : وضع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يده على رأسه ، وقال : «سيعيش هذا الغلام قرنا»
__________________
(١) ينظر : اختلاف القراء في هذا الحرف في : «السبعة» (٣٧٩) ، و «الحجة» (٥ / ٩١) ، و «معاني القراءات» (٢ / ٨٩) ، و «شرح الطيبة» (٤ / ٤٢٦) ، و «إتحاف» (٢ / ١٩٥) ، و «المحرر الوجيز» (٣ / ٤٤٤) ، و «البحر المحيط» (٦ / ١٧) ، و «الدر المصون» (٤ / ٣٧٩) ، و «المحتسب» (٢ / ١٥)
(٢) ينظر : «الطبري» (٨ / ٥١)
(٣) أخرجه الطبري (٨ / ٥١) برقم : (٢٢١٥٠) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٤٤٤) ، وابن كثير في «تفسيره» (٣ / ٣٣) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٠٧) ، وعزاه لابن جرير.
(٤) ينظر : «أحكام القرآن» (٣ / ١١٩٦)
(٥) في الحديث : علي ختن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أي زوج ابنته.
ينظر : «لسان العرب» (ختن)