وعليه (١) ، وخاطب الله العرب في هذه الآية بما تعرف ، وذلك أنه كان من عادتها التيمّن والتشاؤم بالطّير في كونها سانحة وبارحة ، وكثر ذلك حتّى فعلته بالظّباء وحيوان الفلا ، وسمّت ذلك كلّه تطيّرا ، وكانت تعتقد أنّ تلك الطّيرة قاضية بما يلقى الإنسان من خير وشرّ ، فأخبرهم الله تعالى في هذه الآية بأوجز لفظ ، وأبلغ إشارة ، أن جميع ما يلقى الإنسان من خير وشر قد سبق به القضاء ، وألزم حظه وعمله وتكسّبه في عنقه ، وذلك في قوله عزوجل : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) ، فعبّر عن الحظّ والعمل ؛ إذ هما متلازمان ، بالطائر ؛ قاله مجاهد وقتادة (٢) ، بحسب معتقد العرب في التطيّر ، (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) : هذا الكتاب هو عمل الإنسان وخطيئاته ، (اقْرَأْ كِتابَكَ) أي : يقال له : اقرأ كتابك ، وأسند الطبريّ عن الحسن ، أنه قال : يا ابن آدم بسطت لك صحيفة ، ووكل بك ملكان كريمان ؛ أحدهما عن يمينك يكتب حسناتك ، والآخر عن شمالك يحفظ سيئاتك ، فأملل ما شئت وأقلل أو أكثر حتّى إذا متّ طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج لك / يوم القيامة كتابا تلقاه منشورا (اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) قد عدل والله فيك ، من جعلك حسيب نفسك (٣).
قال* ع* (٤) فعلى هذه الألفاظ التي ذكر الحسن يكون الطائر ما يتحصّل مع ابن آدم من عمله في قبره ، فتأمّل لفظه ، وهذا قول ابن عباس (٥) ، وقال قتادة في قوله : اقرأ كتابك : إنه سيقرأ يومئذ من لم يكن يقرأ (٦).
(وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (١٦) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (١٧) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا
__________________
(١) أخرجه الطبري (٨ / ٤٧) برقم : (٢٢١٣٣) ، وذكره البغوي (٣ / ١٠٨) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٤٤٢) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٠٣) ، وعزاه لابن المنذر ، وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه الطبري (٨ / ٤٧) برقم : (٢٢١٣٣) ، وذكره البغوي (٣ / ١٠٨) ، وابن عطية (٣ / ٤٤٢) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٠٣) ، وعزاه لأبي داود في كتاب «القدر» ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.
(٣) ذكره البغوي (٣ / ١٠٨) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٤٤٣) ، وذكره ابن كثير (٣ / ٢٨) بنحوه ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٠٤) ، وعزاه لابن جرير.
(٤) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤٤٣)
(٥) أخرجه الطبري (٨ / ٤٩) برقم : (٢٢١٤١) ، وذكره البغوي (٣ / ١٠٨) ، وابن عطية (٣ / ٤٤٣) ، وابن كثير في «تفسيره» (٣ / ٢٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٠٤) ، وعزاه لابن جرير.
(٦) أخرجه الطبري (٨ / ٥٠) برقم : (٢٢١٤٥) ، وذكره البغوي (٣ / ١٠٨) ، وابن عطية (٣ / ٤٤٣) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٠٤) ، وعزاه لابن جرير ، وابن أبي حاتم.