قال* ص* : والظاهر أنّ ضمير فاعل : «يأت» : يعود على ما عاد عليه ضمير «نؤخّره» ، والناصب ل «يوم» «لا تكلّم» ، والمعنى : لا تكلّم نفس يوم يأتي ذلك اليوم إلا بإذنه سبحانه. انتهى.
وقوله تعالى : (فَمِنْهُمْ) : عائد على الجمع الذي يتضمّنه قوله : (نَفْسٌ) ، إذ هو اسم جنس يراد به الجمع (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) وهي أصوات المكروبين والمحزونين والمعذّبين ، ونحو ذلك ، قال قتادة : الزّفير : أول صوت الحمار ، والشهيق : آخره (١) ، فصياح أهل النّار كذلك ، وقال أبو العالية : «الزفير» : من الصدر ، و «الشهيق» : من الحلق (٢) ، والظاهر ما قال أبو العالية.
(خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٠٧) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨) فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١١٠) وَإِنَّ كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١١) فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(١١٢)
وقوله سبحانه : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) : يروى عن ابن عباس : أنّ الله خلق السموات والأرض من نور العرش ، ثم يردهما إلى هنالك / في الآخرة (٣) ، فلهما ثمّ بقاء دائم ، وقيل : معنى : (ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) : العبارة عن التأبيد بما تعهده العرب ، وذلك أنّ من فصيح كلامها ، إذا أرادت أن تخبر عن تأبيد شيء أن تقول : لا أفعل كذا وكذا أمد الدهر ، وما ناح الحمام ، وما دامت السموات والأرض ، وقيل غير هذا.
قال* ص* : وقيل : المراد سموات الآخرة ، وأرضها ؛ يدلّ عليه قوله : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) [إبراهيم : ٤٨] انتهى. وأما قوله : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) : في الاستثناء ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه متّصل ، أي : إلا ما شاء ربّك من إخراج الموحّدين ؛ وعلى هذا يكون قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا) عاما في الكفرة والعصاة ، ويكون الاستثناء من (خالِدِينَ) ،
__________________
(١) أخرجه الطبري (٧ / ١١٤) برقم : (١٨٥٨٢) ، وابن عطية (٣ / ٢٠٧)
(٢) أخرجه الطبري (٧ / ١١٤) برقم) (١٨٥٨٠ ، ١٨٥٨١) ، وذكره ابن عطية (٣ / ٢٠٧)
(٣) ذكره ابن عطية (٣ / ٢٠٨)