وهذا قول قتادة وجماعة (١).
الثّاني : أنّ هذا الاستثناء ليس بمتّصل ولا منقطع ، وإنما هو على طريق الاستثناء الذي ندب إليه الشّرع في كلّ كلام ؛ فهو على نحو قوله : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ) [الفتح : ٢٧].
الثالث : أنّ «إلا» في هذه الآية بمعنى «سوى» ، والاستثناء منقطع ، وهذا قول الفرّاء ، فإنه يقدّر الاستثناء المنقطع ب «سوى» وسيبويه يقدّره ب «لكن» ، أي : سوى ما شاء الله زائدا على ذلك ؛ ويؤيّد هذا التأويل قوله بعد : (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) ، وقيل : سوى ما أعد الله لهم من أنواع العذاب ، وأشدّ من ذلك كلّه سخطه سبحانه عليهم ، وقيل : الاستثناء في الآيتين من الكون في النار والجنّة ، وهو زمان الموقف ، وقيل : الاستثناء ؛ في الآية الأولى : من طول المدّة ، وذلك على ما روي أنّ جهنم تخرب ، ويعدم أهلها ، وتخفق أبوابها ، فهم على هذا يخلدون حتّى يصير أمرهم إلى هذا.
قال* ع (٢) * : وهذا قول محتمل ، والذي روي ونقل عن ابن مسعود وغيره أنّ ما يخلى من النّار إنما هو الدّرك الأعلى المختصّ بعصاة المؤمنين (٣) ، وهذا الذي يسمّى جهنّم ، وسمّي الكلّ به تجوّزا.
* ت* : وهذا هو الصواب ـ إن شاء الله ـ وهو تأويل صاحب «العاقبة» ؛ أنّ الذي يخرب ما يخصّ عصاة المؤمنين ، وتقدّم الكلام على نظير هذه الآية ، وهو قوله في «الأنعام» : (خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) [الأنعام : ١٢٨].
قال* ع (٤) * : والأقوال المترتّبة في الاستثناء الأوّل مرتبة في الاستثناء الثاني في الذين سعدوا إلّا تأويل من قال : هو استثناء المدة التي تخرب فيها جهنّم ؛ فإنه لا يترتّب هنا ، وال (مَجْذُوذٍ) : المقطوع ، والإشارة بقوله : (مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ) إلى كفّار العرب ، (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ) معناه : من العقوبة ، وقال الداوديّ عن ابن عباس : (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ) : قال : ما قدّر لهم من خير وشرّ انتهى (٥).
__________________
(١) أخرجه الطبري (٧ / ١١٥) برقم : (١٨٥٨٥ ـ ١٨٥٨٦) نحوه.
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٢٠٨)
(٣) ذكره ابن عطية (٣ / ٢٠٨)
(٤) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ٢٠٨)
(٥) أخرجه الطبري (٧ / ١٢٠) برقم : (١٨٦٠٩) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٦٣٦) ، وعزاه إلى عبد الرزاق ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر ، وأبي الشيخ.