الفارسيّ ، وهذا والأول في المعنى واحد.
وقوله : (رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) : إنابة منه عليهالسلام ، وتسليم لأمر ربه ، والسؤال الذي وقع النهي عنه ، إنما هو سؤال العزم الذي معه محاجّة وطلبة ملحّة فيما قد حجب وجه الحكمة فيه ، وأما السؤال ؛ على جهة الاسترشاد والتعلّم ، فغير داخل في هذا ، ثم قيل له : (اهْبِطْ بِسَلامٍ) ، وذلك عند نزوله من السفينة ، والسلام ؛ هنا : السلامة والأمن ، والبركات الخير والنموّ في كلّ الجهات ، وهذه العدة ، تعمّ جميع المؤمنين إلى يوم القيامة ، قاله محمد بن كعب القرظيّ ، ثم قطع قوله : (وَأُمَمٌ) على وجه الابتداء ، وهؤلاء هم الكفّار إلى يوم القيامة (١).
(تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (٤٩) وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (٥٠) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ)(٥١)
وقوله سبحانه : (تِلْكَ) إشارة إلى القصة ، وباقي الآية بيّن.
وقوله عزوجل : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً ...) الآية : عطف على قوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) [هود : ٢٥].
(وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢) قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٨) وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)(٥٩)
وقوله : (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ...) الآية : الاستغفار : طلب المغفرة ، فقد يكون ذلك باللسان ، وقد يكون بإنابة القلب وطلب الاسترشاد.
وقوله : (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) ، أي : بالإيمان من كفركم ، والتوبة : عقد في ترك متوب
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٣ / ١٧٩) ، والبغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٨٧) برقم : (٤٨) بلا نسبة.