بحمل أهله ، وابنه من أهله ، فينبغي أن يحمل ، فأظهر الله له أنّ المراد من آمن من الأهل ، وهذه الآية تقتضي أن نوحا عليهالسلام ظنّ أنّ ابنه مؤمن /.
وقوله : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) أي : الذين عمّهم الوعد ؛ لأنه ليس على دينك ، وإن كان ابنك بالولادة.
وقوله : (عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) : جعله وصفا له بالمصدر ؛ على جهة المبالغة في وصفه بذلك ؛ كما قالت الخنساء تصف ناقة ذهب عنها ولدها : [البسيط]
ترتع ما رتعت حتّى إذا ادّكرت |
|
فإنّما هي إقبال وإدبار (١) |
أي : ذات إقبال وإدبار ؛ ويبيّن هذا قراءة الكسائيّ «إنّه عمل غير صالح» فعلا ماضيا ، ونصب «غير» على المفعول ل «عمل» ، وقول من قال : «إن الولد كان لغيّة» خطأ محض ، وهذا قول ابن عبّاس (٢) والجمهور ؛ قالوا : وأما قوله تعالى : (فَخانَتاهُما) [التحريم : ١٠] فإن الواحدة كانت تقول للناس : هو مجنون ، والأخرى كانت تنبّه على الأضياف ، وأما خيانة غير هذا ، فلا ؛ ويعضده المعنى ، لشرف النبوّة ، وجوّز المهدويّ أن يعود الضمير في «إنّه» على السؤال ، أي : إن سؤالك إيّاي ما ليس لك به علم عمل غير صالح ؛ قاله النّخعيّ وغيره. انتهى. والأول أبين ؛ وعليه الجمهور ، وبه صدّر المهدويّ ، ومعنى قوله : (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أي : إذا وعدتك ، فاعلم يقينا ؛ أنه لا خلف في الوعد ، فإذا رأيت ولدك لم يحمل ، فكان الواجب عليك أن تقف ، وتعلم أنّ ذلك بحقّ واجب عند الله.
قال* ع (٣) * : ولكنّ نوحا عليهالسلام حملته شفقة الأبوّة وسجيّة البشر على التعرّض لنفحات الرحمة ، وعلى هذا القدر وقع عتابه ؛ ولذلك جاء بتلطّف وترفيع في قوله سبحانه : (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) ، ويحتمل قوله : (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أي : لا تطلب منّي أمرا لا تعلم المصلحة فيه علم يقين ، ونحا إلى هذا أبو عليّ
__________________
(١) ينظر : «ديوانها» ص : (٣٨٣) ، و «الأشباه والنظائر» (١ / ١٩٨) ، و «خزانة الأدب» (١ / ٤٣١) ، (٢ / ٣٤) ، و «شرح أبيات سيبويه» (١ / ٢٨٢) ، و «الشعر والشعراء» (١ / ٣٥٤) و «الكتاب» (١ / ٣٣٧) و «لسان العرب» (٧ / ٣٠٥) (رهط) (١١ / ٥٣٨) (قبل) ، (١٤ / ٤١٠) (سوا) ، و «المقتضب» (٤ / ٣٠٥) ، و «المنصف» (١ / ١٩٧) ، بلا نسبة في «الأشباه والنظائر» (٢ / ٣٨٧) ، (٤ / ٦٨) و «شرح الأشموني» (١ / ٢١٣) ، و «شرح المفصّل» (١ / ١١٥) ، و «المحتسب» (٢ / ٤٣)
(٢) ذكره البغوي (٢ / ٣٨٧) ، وابن عطية (٣ / ١٧٧) بنحوه.
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ١٧٧ ـ ١٧٨)