وقيل : اطمأنّوا ؛ قاله مجاهد (١) وقيل : خافوا ؛ قاله ابن عباس (٢) أيضا ، وهذه أقوال بعضها قريب من بعض.
وقوله سبحانه : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ ...) الآية ، «الفريقان» الكافرون والمؤمنون ، شبه الكافر بالأعمى والأصمّ ، وشبه المؤمن بالبصير والسميع ، فهو تمثيل بمثالين.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ)(٢٧)
وقوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا ...) الآية : فيها تمثيل لقريش وكفّار العرب ، وإعلام بأن محمّدا عليهالسلام ليس ببدع من الرسل ، و «الأراذل» جمع الجمع ، فقيل : جمع أرذل ، وقيل : جمع أرذال ، وهم سفلة النّاس ، ومن لا خلاق له ولا يبالي ما يقول ، ولا ما يقال له ، وقرأ الجمهور (٣) : «بادي الرّأي» ـ بياء دون همز ـ ؛ من بدا يبدو ، فيحتمل أن يتعلّق «بادي الرّأي» ب «نراك» ، أي : وما نراك بأول نظر وأقلّ فكرة ، وذلك هو بادي الرأي إلّا ومتّبعوك أراذلنا ، ويحتمل أن يتعلق بقوله : (اتَّبَعَكَ) ، أي : وما نراك اتبعك بادي الرّأي إلا الأراذل ، ثم يحتمل على هذا قوله : (بادِيَ الرَّأْيِ) معنيين :
أحدهما : أن يريدوا : اتّبعك في ظاهر أمرهم ، وعسى أنّ بواطنهم ليست معك.
والثاني : أن يريدوا : اتبعوك بأول نظر ، وبالرأي البادي ، دون تثبّت.
ويحتمل أن يكون قولهم : (بادِيَ الرَّأْيِ) وصفا منهم لنوح ، أي : تدّعي عظيما وأنت مكشوف الرأي ، لا حصافة لك ، ونصبه على الحال ، أو على الصفة ل «بشر».
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٢٥) برقم : (١٨١١٢ ـ ١٨١١٣ ـ ١٨١١٤) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٣ / ١٦١) ، والبغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٧٩) ، والسيوطي (٣ / ٥٩٠) ، وعزاه إلى أبي الشيخ.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٢٥) برقم : (١٨١١١) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٣ / ١٦١) ، والبغوي في «تفسيره» (٢ / ٣٧٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٨٩) ، وعزاه إلى ابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ١٦٣) و «البحر المحيط» (٥ / ٢١٥) ، و «الدر المنثور» (٤ / ٩١)