(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (٢٨) وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٩) وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣٠) وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٣١) قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(٣٤)
وقوله سبحانه : (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ ...) الآية : كأنه قال : أرأيتم إن هداني الله وأضلّكم أأجبركم على الهدى ، وأنتم له كارهون ، وعبارة نوح عليهالسلام كانت بلغته دالّة على المعنى القائم بنفسه ، وهو هذا المفهوم من هذه العبارة العربيّة ، فبهذا استقام أن يقال : قال كذا وكذا ؛ إذ القوم ما أفاد المعنى القائم في النّفس ، وقوله : (عَلى بَيِّنَةٍ) أي : على أمر بيّن جليّ ، وقرأ الجمهور : «فعميت» (١) ولذلك وجهان من المعنى :
أحدهما : خفيت.
والثاني : أن يكون المعنى : فعمّيتم أنتم عنها.
وقوله : (أَنُلْزِمُكُمُوها) : يريد : إلزام جبر ؛ كالقتال ونحوه ، وأما إلزام الإيجاب ، فهو حاصل.
وقوله : (وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا) : يقتضي أنّ قومه طلبوا طرد الضعفاء الذين بادروا إلى الإيمان به نظير ما اقترحت قريش ، و (تَزْدَرِي) : أصله : تزتري ؛ تفتعل من زرى يزري ، ومعنى : (تَزْدَرِي) : تحتقر ، و «الخير» ؛ هنا : يظهر فيه أنّه خير الآخرة ، اللهم إلا أن يكون ازدراؤهم من جهة الفقر ، فيكون الخير المال ؛ وقد قال بعض المفسّرين : حيث ما ذكر الله الخير / في القرآن ، فهو المال.
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ١٦٤) ، و «البحر المحيط» (٥ / ٢١٧) ، و «الدر المصون» (٤ / ٩٣). وقد قرأ الأخوان ، وحفص بالتشديد ، هكذا «فعمّيت» ، وحجتهم في حرف عبد الله : «فعمّاها عليكم».
ينظر : «حجة القراءات» (٣٣٨) ، و «السبعة» (٣٣٢) ، و «الحجة» (٤ / ٣٢٢) و «إعراب القراءات» (١ / ٢٧٩) ، و «شرح شعلة» (٤٢٦) ، و «العنوان» (١٠٧) ، و «إتحاف» (٢ / ١٢٤)