يموت ، فنجّي على نجوة من الأرض ، حتى رآه جميعهم ميتا ؛ كأنه ثور أحمر ، وتحقّقوا غرقه.
والجمهور (١) على تشديد (نُنَجِّيكَ) ؛ فقالت فرقة : معناه : من النّجاة ، أي : من غمرات البحر والماء ، وقال جماعة : معناه : نلقيك على نجوة من الأرض ، وهي : ما ارتفع منها ، وقرأ يعقوب (٢) بسكون النون وتخفيف الجيم ، وقوله : (بِبَدَنِكَ) قالت فرقة : معناه : بشخصك ، وقالت فرقة : معناه : بدرعك ، وقرأ الجمهور (٣) : «خلفك» ، أي : من أتى بعدك ، وقرىء شاذّا : «لمن خلفك» (٤) ـ بفتح اللام ـ ، والمعنى : ليجعلك الله آية له في عباده ، وباقي الآية بيّن.
وقوله سبحانه : (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ) : المعنى : ولقد اخترنا لبني إسرائيل أحسن اختيار ، وأحللناهم من الأماكن أحسن محلّ ، و (مُبَوَّأَ صِدْقٍ) : أي : يصدق فيه ظنّ قاصده وساكنه ، ويعني بهذه الآية إحلالهم بلاد الشّام وبيت المقدس ؛ قاله قتادة وابن زيد ، وقيل : بلاد الشام ومصر ، والأول أصحّ ، وقوله سبحانه : (فَمَا اخْتَلَفُوا) أي : في نبوّة نبينا محمّد عليهالسلام ، وهذا التخصيص هو الذي وقع في كتب المتأوّلين كلّهم ، وهو تأويل يحتاج إلى سند ، والتأويل الثاني الذي يحتمله اللفظ : أنّ بني إسرائيل لم يكن لهم اختلاف على موسى في أول حاله ، فلما جاءهم العلم والأوامر ، وغرق فرعون ، اختلفوا ، فالآية ذامّة لهم.
* ت* : فرّ رحمهالله من التخصيص ، فوقع فيه ، فلو عمّم اختلافهم على أنبيائهم موسى وغيره ، وعلى نبيّنا ، لكان أحسن ، وما ذهب إليه المتأوّلون من التخصيص أحسن لقرينة قوله : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍ) ، فالربط بين الآيتين واضح ، والله أعلم.
(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (٩٤) وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ١٤٢) ، و «البحر المحيط» (٥ / ١٨٩) ، و «الدر المصون» (٤ / ٦٧)
(٢) ينظر : «إتحاف فضلاء البشر» (٢ / ١٢٠) ، و «المحرر الوجيز» (٣ / ١٤٢) ، و «البحر المحيط» (٥ / ١٨٩) ، و «الدر المصون» (٤ / ٦٧)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ١٤٢)
(٤) وقرأ بها إسماعيل المكي ، كما في «الشواذ» ص : (٦٣) وينظر : «البحر المحيط» (٥ / ١٨٩)