وقول فرعون : (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ ...) الآية : روي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم «أنّ جبريل عليهالسلام قال : ما أبغضت أحدا قطّ بغضي لفرعون ، ولقد سمعته يقول : (آمَنْتُ ...) الآية ، فأخذت من حال البحر ، فملأت فمه ؛ مخافة أن تلحقه رحمة الله» ، وفي بعض الطرق : «مخافة أن يقول لا إله إلّا الله ، فتلحقه الرّحمة» (١).
قال* ع (٢) * : فانظر إلى كلام فرعون ، ففيه مجهلة وتلعثم ، ولا عذر لأحد في جهل هذا ، وإنما العذر فيما لا سبيل / إلى علمه ، كقول عليّ رضي الله عنه : أهللت بإهلال كإهلال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، والحال : الطّين ، والآثار بهذا كثيرة مختلفة الألفاظ ، والمعنى واحد.
وقوله سبحانه : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ) ، وهذا على جهة التوبيخ له ، والإعلان بالنقمة منه ، وهذا الكلام يحتمل أن يكون من ملك موصّل عن الله ، أو كيف شاء الله ، ويحتمل أن يكون هذا الكلام معنى حاله وصورة خزية ، وهذه الآية نصّ في ردّ توبة المعاين.
(فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (٩٢) وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)(٩٣)
وقوله سبحانه : (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ...) الآية : يقوّي أنه صورة حاله ؛ لأن هذه الألفاظ إنما يظهر أنها قيلت بعد غرقه ، وسبب هذه المقالة ؛ على ما روي : أن بني إسرائيل بعد عندهم غرق فرعون وهلاكه ، لعظمه في نفوسهم ، وكذّب بعضهم أن يكون فرعون
__________________
(١) أخرجه الترمذي (٥ / ٢٨٧) كتاب «التفسير» باب : ومن سورة يونس ، حديث (٣١٠٧) من طريق علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس به.
وقال الترمذي : حديث حسن. ومن طريق علي أخرجه الطبري (٦ / ٦٠٥) رقم : (١٧٨٧٥).
وأخرجه الترمذي (٥ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨) كتاب «التفسير» باب : ومن سورة يونس ، حديث (٣١٠٨) ، والحاكم (٢ / ٣٤٠) ، والطبري (٦ / ٦٠٥) رقم : (١٧٨٧٢ ـ ١٧٨٧٣) ، من طريق شعبة ، عن عدي بن ثابت وعطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس به.
وقال الترمذي : حسن صحيح غريب من هذا الوجه ، وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه إلا أن أكثر أصحاب شعبة أوقفوه على ابن عباس ووافقه الذهبي.
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ١٤١)