منهم على العامّة ، والتوكّل في عقد الإيمان مع كلّ من آمن بالله عزوجل؟ قال : إنّ الذي فضلت به الخاصّة على العامّة دوام سكون القلب عن الاضطراب والهدوّ عن الحركة ، فعندها ، يا فتى ، استراحوا من عذاب الحرص ، وفكّوا من أسر الطمع ، وأعتقوا من عبوديّة الدنيا ، وأبنائها ، وحظوا بالرّوح في الدّارين جميعا ، فطوبى لهم وحسن مآب ، قلت : فما الذي يولّد هذا؟ قال : حالتان :
دوام لزوم المعرفة ، والاعتماد على الله عزوجل ، وترك الحيل.
والثانية : الممارسة حتى يألفها إلفا ، ويختارها اختيارا ، فيصير التوكّل والهدوّ والسكون والرضا والصبر له شعارا ودثارا. انتهى من «كتاب القصد إلى الله سبحانه».
وقولهم : (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) : المعنى : لا تنزل بنا بلاء بأيديهم أو بغير ذلك / مدّة محاربتنا لهم ؛ فيفتنون لذلك ، ويعتقدون صلاح دينهم ، وفساد ديننا ؛ قاله مجاهد وغيره ، فهذا الدعاء على هذا التأويل يتضمّن دفع فصلين :
أحدهما : القتل والبلاء الذي توقّعه المؤمنون.
والآخر : ظهور الشّرك باعتقاد أهله أنّهم أهل الحقّ.
ونحو هذا قوله صلىاللهعليهوسلم : «بئس الميّت أبو أمامة ليهود والمشركين يقولون : لو كان نبيّا لم يمت صاحبه» (١).
ورجّح* ع (٢) * في «سورة الممتحنة : ٥» قول ابن عباس : إن معنى : (لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) : لا تسلّطهم علينا ؛ فيفتنونا ؛ انظره هناك.
(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٨٧) وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٨٨) قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨٩) وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ
__________________
(١) أخرجه أحمد (٤ / ١٣٨) ، والحاكم (٤ / ٢١٤) ، وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي.
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٩٦)