قال* ع (١) * : ولا وجه عندي لشيء من هذا التخصيص إلّا أن يستند شيء منه إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وإنما الذي يقتضيه اللفظ ، ويلزم منه أنّ الفضل : هو هداية الله تعالى إلى دينه ، والتوفيق إلى اتباع شرعه ، والرحمة هي عفوه وسكنى جنّته التي جعلها جزاء على التشرّع بالإسلام والإيمان به ، ومعنى / الآية : قل ، يا محمّد ، لجميع النّاس : بفضل الله ورحمته فليقع الفرح منكم ، لا بأمور الدنيا وما يجمع من حطامها ، فإن قيل : كيف أمر الله بالفرح في هذه الآية ، وقد ورد ذمّه في قوله : (لَفَرِحٌ فَخُورٌ) [هود : ١٠] وفي قوله : (لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) [القصص : ٧٦].
قيل : إن الفرح إذا ورد مقيّدا في خير ، فليس بمذموم ، وكذلك هو في هذه الآية ، وإذا ورد مقيّدا في شرّ ، أو مطلقا لحقه ذمّ ، إذ ليس من أفعال الآخرة ، بل ينبغي أن يغلب على الإنسان حزنه على دينه ، وخوفه لربّه.
وقوله : (مِمَّا يَجْمَعُونَ) : يريد : مال الدنيا وحطامها الفاني المردي في الآخرة.
وقوله سبحانه : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً ...) الآية.
قال* ص* : (أَرَأَيْتُمْ) : مضمّن معنى : أخبروني ، و «ما» موصولة.
قال* ع (٢) * : هذه المخاطبة لكفّار العرب الذين جعلوا البحائر والسّوائب وغير ذلك ، وقوله : (أَنْزَلَ) : لفظة فيها تجوّز.
(وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٦٠) وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ)(٦١)
وقوله : (وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ) آية وعيد ـ لمّا تحقّق عليهم بتقسيم الآية التي قبلها ؛ أنهم مفترون على الله ـ عظّم في هذه الآية جرم الافتراء ، أي : ظنّهم في غاية الرداءة ؛ بحسب سوء أفعالهم ، ثم ثنّى بذكر الفضل على النّاس في الإمهال لهم مع الافتراء والعصيان ؛ إذ الإمهال لهم داعية إلى التوبة والإنابة ، ثم الآية تعمّ
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ١٢٦)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ١٢٧)