بالإقامة في موقف الخزي مع أصنامهم ، ثم ينطق الله شركاءهم بالتبريّ منهم.
وقوله : (فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) : معناه : فرّقنا في الحجّة ، والمذهب / روي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، أنّ الكفّار ، إذا رأوا العذاب ، وتقطّعت بهم الأسباب ، قيل لهم : اتّبعوا ما كنتم تعبدون ، فيقولون : كنّا نعبد هؤلاء ، فتقول الأصنام : والله ، ما كنّا نسمع ، ولا نعقل ، وما كنتم إيّانا تعبدون ، فيقولون : والله ، لإيّاكم كنّا نعبد ، فتقول الآلهة : (فَكَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ ...) (١) الآية ، وظاهر الآية أنّ محاورتهم إنما هي مع الأصنام دون الملائكة وعيسى ؛ بدليل القول لهم : (مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ) ، ودون فرعون ومن عبد من الجنّ ؛ بدليل قولهم : (إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ) ، و «إن» هذه عند سيبويه (٢) المخفّفة من الثقيلة موجبة ، ولزمتها اللام ، فرقا بينها وبين «إن» النافية ، وعند الفرّاء : «إن» نافية بمعنى «ما» ، واللام بمعنى «إلّا» ، وقرأ نافع (٣) وغيره : «تبلوا» ـ بالباء الموحّدة ـ ؛ بمعنى : تختبر ، وقرأ حمزة والكسائي : «تتلوا» ـ بتاءين ـ ؛ بمعنى تتبع وتطلب ما أسلفت من أعمالها* ت* : قال* ص* : كقوله : [الرجز]
إنّ المريب يتبع المريبا |
|
كما رأيت الذّيب يتلو الذّيبا (٤) |
أي : يتبعه. انتهى. ويصحّ أن يكون بمعنى تقرأ كتبها التي تدفع إليها.
وقوله : (وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ...) الآية : تدبير الأمر عامّ في جميع الأشياء ، وذلك استقامة الأمور كلّها على إرادته عزوجل ، وليس تدبيره سبحانه بفكر ورويّة وتغييرات ـ تعالى عن ذلك ـ بل علمه سبحانه محيط كامل دائم.
(فَسَيَقُولُونَ اللهُ) : أي : لا مندوحة لهم عن ذلك ، ولا تمكنهم المباهتة بسواه ، فإذا أقرّوا بذلك ، (فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) في افترائكم ، وجعلكم الأصنام آلهة.
(فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٣٢) كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٥٠) ، وعزاه إلى ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ عن مجاهد بنحوه.
(٢) ينظر : «الكتاب» (١ / ٤٨٠)
(٣) ينظر : «السبعة» ص : (٣٢٥) ، و «الحجة» (٤ / ٢٧١) ، «حجة القراءات» ص : (٣٣١) ، «إعراب القراءات» (١ / ٢٦٧) ، و «إتحاف فضلاء البشر» (٢ / ١٠٨ ـ ١٠٩) ، و «معاني القراءات» (٢ / ٤٣) ، و «العنوان» (١٠٥) ، و «شرح الطيبة» (٤ / ٣٥٠) ، و «شرح شعلة» (٤٢١)
(٤) البيت من شواهد «البحر» (٥ / ١٥٥) ، والقرطبي (٨ / ٣٣٤) ، و «الدر المصون» (٤ / ٢٨)