رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(٣٣)
وقوله : (فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ ...) الآية : يقول : فهذا الذي هذه صفاته ربّكم الحقّ ، أي : المستوجب للعبادة والألوهيّة ، وإذا كان كذلك ، فتشريك غيره ضلال وغير حقّ.
قال* ع (١) * : وعبارة القرآن في سوق هذه المعاني تفوت كلّ تفسير براعة وإيجازا ووضوحا ، وحكمت هذه الآية بأنه ليس بين الحقّ والضلال منزلة ثالثة في هذه المسألة التي هي توحيد الله تعالى ، وكذلك هو الأمر في نظائرها من مسائل الأصول التي الحقّ فيها في طرف واحد ؛ لأن الكلام فيها إنما في تقرير وجود ذات كيف هي ، وذلك بخلاف مسائل الفروع التي قال الله تعالى فيها : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) [المائدة : ٤٨].
وقوله : (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) : تقرير ؛ كما قال : (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) [التكوير : ٢٦] ثم قال : (كَذلِكَ حَقَّتْ) أي : كما كانت صفات الله كما وصف ، وعبادته واجبة كما تقرّر ، وانصراف هؤلاء كما قدّر عليهم ، (كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ...) الآية ، وقرأ أبو عمرو (٢) وغيره : «كلمة» ؛ على الإفراد الذي يراد به الجمع ؛ كما يقال للقصيدة «كلمة» فعبّر عن وعيد الله تعالى ب «كلمة».
(قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣٤) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٥) وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ)(٣٦)
وقوله سبحانه : (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ...) الآية توقيف على قصور الأصنام وعجزها ، وتنبيه على قدرة الله عزوجل ، و (تُؤْفَكُونَ) : معناه : تصرفون وتحرمون ، وأرض مأفوكة ؛ إذا لم يصبها مطر ، فهي بمعنى الخيبة.
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ١١٨)
(٢) وحجة من جمع أنها والتي بعدها كتبتا في المصاحف بالتاء. وحجة الباقين : إجماع الكل على التوحيد في قوله تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً) [الأنعام : ١١٥] ، فردوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه.
ينظر : «السبعة» ص : (٣٢٦) ، «الحجة» (٤ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣) ، «حجة القراءات» ص : (٣٣١) ، «إعراب القراءات» (١ / ٢٦٧) ، «إتحاف» (٢ / ١٠٩) ، «العنوان» (١٠٥).
وينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ١١٨) ، و «البحر المحيط» (٥ / ١٥٦) ، و «الدر المصون» (٤ / ٣٠)