معنى سبحان الله؟ فقال : معناها : «تنزيها لله من السّوء» ، وحكي عن بعض المفسّرين أنهم رووا أنّ هذه الكلمة إنّما يقولها المؤمن عند ما يشتهي الطّعام ، فإنه إذا رأى طائرا أو غير ذلك ، قال : (سُبْحانَكَ اللهُمَ) ، فنزلت تلك الإرادة بين يديه فوق ما اشتهى. رواه ابن جريج وسفيان بن عيينة ، وعبارة الداوديّ عن ابن جريج : «دعواهم فيها» : قال : إذا مرّ بهم الطائر يشتهونه ، كان دعواهم به (سُبْحانَكَ اللهُمَ) ، فيأكلون منه ما يشتهون ، ثم يطير ، وإذا جاءتهم الملائكة بما يشتهون ، سلّموا عليهم ، فذلك قوله : (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) ، وإذا أكلوا حاجتهم ، قالوا : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، فذلك قوله : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).
وقوله سبحانه : (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) : يريد تسليم بعضهم على بعض ، والتحيّة : مأخوذة من تمنّي الحياة للإنسان والدّعاء بها ، يقال : حيّاه ويحيّيه ؛ ومنه قول زهير بن جناب : [الكامل]
من كلّ ما نال الفتى |
|
قد نلته إلّا التّحيّة (١) |
يريد : دعاء الناس للملوك بالحياة ، وقال بعض العلماء : (وَتَحِيَّتُهُمْ) يريد : تسليم الله تعالى عليهم ، والسّلام : مأخوذ من السّلامة ، (وَآخِرُ دَعْواهُمْ) : أي : خاتمة دعائهم وكلامهم في كلّ موطن حمد الله وشكره ، على ما أسبغ عليهم من نعمه ، وقال ابن العربيّ في «أحكامه» (٢). في تفسير هذه الآية قولان :
الأول : أنّ الملك يأتيهم بما يشتهون ، فيقول : سلام عليكم ، أي : سلمتم ، فيردّون عليه ، فإذا أكلوا ، قالوا : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).
الثاني : أنّ معنى «تحيّتهم» : أي : تحيّة بعضهم بعضا ، فقد ثبت في الخبر : «أن الله تعالى خلق آدم ، ثم قال له : اذهب إلى أولئك النّفر من الملائكة فسلّم عليهم ، فجاءهم ، فقال لهم : سلام عليكم ، فقالوا له : وعليك السّلام ورحمة الله ، فقال له : هذه تحيّتك ، وتحيّة ذرّيّتك من بعدك إلى يوم القيامة» (٣) ، وبيّن في القرآن هاهنا أنها تحيتهم في الجنّة ،
__________________
(١) البيت لزهير بن جناب في «إصلاح المنطق» ص : (٣١٦) ، و «الأغاني» (١٨ / ٣٠٧) ، و «الشعر والشعراء» (١ / ٣٨٦) ، و «لسان العرب» (١١ / ٤٦) (بجل) ، (١٤ / ٢١٦) (حيا) ، و «المؤتلف والمختلف» ص : (١٣٠) ، وبلا نسبة في «خزانة الأدب» (٥ / ٢٩٩) ، و «شرح التصريح» (١ / ٣٢٦) ، و «شرح ديوان الحماسة» للمرزوقي : ص (١٠٠) ، و «لسان العرب» (١٤ / ٢١٧) (حيا)
(٢) ينظر : «أحكام القرآن» (٣ / ١٠٥٠)
(٣) تقدم تخريجه.