الهذليّ معناه : لم يرج فقد لسعها ، قال ابن زيد : هذه الآية في الكفّار (١).
وقوله سبحانه : (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) : يريد : كانت منتهى غرضهم ، وقال قتادة في تفسير هذه الآية : إذا شئت رأيت هذا الموصوف صاحب دنيا ، لها يغضب ، ولها يرضى ، ولها يفرح ، ولها يهتمّ ويحزن ، فكأنّ قتادة صوّرها في العصاة (٢) ، ولا يترتب ذلك إلا مع تأوّل الرّجاء على بابه ؛ لأن المؤمن العاصي مستوحش من آخرته ، فأما على التأويل الأول ، فمن لا يخاف الله ، فهو كافر.
وقوله : (وَاطْمَأَنُّوا بِها) : تكميل في معنى القناعة بها ، والرفض لغيرها.
وقوله : (وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ) : يحتمل أن يكون ابتداء إشارة إلى فرقة أخرى ، ثم عقّب سبحانه بذكر الفرقة الناجية ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ ...) الآية ، الهداية في هذه الآية تحتمل وجهين :
أحدهما : أن يريد أنّه يديمهم ويثبّتهم.
الثّاني : أن يريد أنه يرشدهم إلى طريق الجنان في الآخرة.
وقوله : (بِإِيمانِهِمْ) يحتمل أن يريد : بسبب إيمانهم ، ويحتمل أن يكون الإيمان هو نفس الهدى ، أي ، يهديهم إلى طريق الجنة بنور إيمانهم. قال مجاهد : يكون لهم إيمانهم نورا يمشون به ، ويتركّب هذا التأويل ، على ما روي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «أنّ العبد المؤمن ، إذا قام من قبره للحشر تمثّل له رجل جميل الوجه طيّب الرّائحة ، فيقول : من أنت؟ فيقول : أنا عملك الصّالح فيقوده إلى الجنّة ، وبعكس هذا في الكافر ، ونحو هذا مما أسنده الطبري (٣) وغيره.
(دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(١٠)
وقوله سبحانه : (دَعْواهُمْ) : أي : دعاؤهم فيها و (سُبْحانَكَ اللهُمَ) : تقديس وتسبيح وتنزيه لجلاله سبحانه عن كلّ ما لا يليق به ، وقال علي بن أبي طالب في ذلك : هي كلمات رضيها الله تعالى لنفسه (٤) ، وقال طلحة بن عبيد الله / : قلت : يا رسول الله ؛ ما
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٣ / ١٠٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٣٧) ، وزاد نسبته إلى أبي الشيخ.
(٢) ذكره ابن عطية (٣ / ١٠٧)
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) أخرجه الطبري (٦ / ٥٣٦) برقم : (١٧٥٨٣) ، وذكره ابن عطية (٣ / ١٠٧)