وقوله سبحانه : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً ...) الآية : هذا استمرار على وصف / آياته سبحانه ، والتنبيه على صنعته الدّالة على وحدانيته ، وعظيم قدرته.
وقوله : (قَدَّرَهُ مَنازِلَ) : يحتمل أن يعود الضمير على «القمر» وحده ؛ لأنه المراعى في معرفة عدد السّنين والحساب عند العرب ، ويحتمل أن يريد الشّمس والقمر معا ، لكنه اجتزأ بذكر أحدهما ؛ كما قال : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [التوبة : ٦٢].
وقوله : (لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) أي : رفقا بكم ، ورفعا للالتباس في معايشكم وغير ذلك مما يضطرّ فيه إلى معرفة التواريخ.
وقوله : (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) : إنما خصهم ، لأن نفع هذا فيهم ظهر.
وقوله سبحانه : (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) الآية : آية اعتبار وتنبيه ، والآيات : العلامات ، وخصّص القوم المتّقين ؛ تشريفا لهم ؛ إذ الاعتبار فيهم يقع ، ونسبتهم إلى هذه الأشياء المنظور فيها أفضل من نسبة من لم يهتد ولا اتّقى.
وقوله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا ...) الآية : قال أبو عبيدة (١) وغيره : (يَرْجُونَ) ، في هذه الآية : بمعنى يخافون (٢) ؛ واحتجّوا ببيت أبي ذؤيب : [الطويل]
إذا لسعته النّحل لم يرج لسعها |
|
وحالفها في بيت نوب عوامل (٣) |
وقال ابن سيده والفرّاء : لفظة الرّجاء ، إذا جاءت منفيّة ، فإنها تكون بمعنى الخوف ، فعلى هذا التأويل معنى الآية : إنّ الذين لا يخافون لقاءنا ، وقال بعض أهل العلم : الرجاء ، في هذه الآية : على بابه ؛ وذلك أن الكافر المكذّب بالبعث لا يحسن ظنّا بأنه يلقى الله ، ولا له في الآخرة أمل ؛ إذ لو كان له فيها أمل ؛ لقارنه لا محالة خوف ، وهذه الحال من الخوف المقارن هي القائدة إلى النجاة.
قال* ع (٤) * : والذي أقول به : إنّ الرجاء في كلّ موضع هو على بابه ، وأنّ بيت
__________________
(١) ينظر : «مجاز القرآن» لأبي عبيدة (١ / ٢٧٥)
(٢) ذكره ابن عطية (٣ / ١٠٦)
(٣) البيت لأبي ذؤيب كما ذكر المصنف ، ينظر : «ديوان الهذليين» (١ / ١٤٣) ، «الكشاف» (٤ / ٤٩٩) ، و «الدر المصون» (١ / ٥٣٤) و «جمهرة الشعراء» (٩)
(٤) ينظر : «المحرر الوجيز» (٣ / ١٠٧)