تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) مقصد الآية أن إبليس أخبر عن نفسه أنه يأتي إضلال بني آدم من كلّ جهة ، فعبر عن ذلك بألفاظ تقتضي الإحاطة بهم ، وفي اللفظ تجوّز ، وهذا قول جماعة من المفسرين.
قال الفخر (١) : وقوله : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) أي : على صراطك. أجمع النحاة على تقدير «على» في هذا الموضع. انتهى.
وقوله : (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) أخبر اللعين أن سعايته تفعل ذلك ظنّا منه ، وتوسّما في خلقة آدم حين رأى خلقته من أشياء مختلفة ، فعلم أنه ستكون لهم شيم تقتضي طاعته ، كالغلّ ، والحسد ، والشهوات ، ونحو ذلك.
قال ابن عباس ، وقتادة : إلا أن إبليس لم يقل : إنه يأتي بني آدم من فوقهم ، ولا جعل الله له سبيلا إلى أن يحول بينهم وبين رحمة الله وعفوه ومنّه ، وما ظنه إبليس صدقه الله عزوجل (٢).
ومنه قوله سبحانه : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [سبأ : ٢٠] فجعل أكثر العالم كفرة ، ويبيّنه قوله صلىاللهعليهوسلم في الصّحيح : «يقول الله عزوجل : يا آدم أخرج بعث النّار ، فيقول : يا ربّ وما بعث النّار ، فيقول : من كلّ ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النّار ، وواحدا إلى الجنّة» (٣).
ونحوه مما يخصّ أمة نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم : «ما أنتم في الأمم إلا كالشّعرة البيضاء في الثور الأسود» (٤) و (شاكِرِينَ) معناه : مؤمنين ؛ لأن ابن آدم لا يشكر نعمة الله إلا بأن يؤمن. قاله ابن عباس وغيره(٥).
وقوله سبحانه : (اخْرُجْ مِنْها) أي : من الجنة (مَذْؤُماً) أي معيبا (مَدْحُوراً) ؛ أي : مقصيّا مبعدا.
(لَمَنْ تَبِعَكَ) بفتح اللام هي لام قسم.
__________________
(١) ينظر : «تفسير الرازي» (١٤ / ٣٢)
(٢) ينظر : «تفسير الرازي» (١٤ / ٣٢)
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) تقدم تخريجه.
(٥) ذكره ابن عطية (٢ / ٣٨١)