وغيرهم ، فأرادا حمل الناس على الجادّة.
وقوله سبحانه : (فَاهْبِطْ مِنْها) الآية : يظهر منه أنه أهبط أولا ، وأخرج من الجنّة ، وصار في السماء ؛ لأن الأخبار تظاهرت أنه أغوى آدم وحواء من خارج الجنّة ، ثم أمر آخرا بالهبوط من السماء مع آدم ، وحواء ، والحية. وقوله : (إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) حكم عليه بضدّ معصيته التي عصى بها ، وهي الكبرياء ، فعوقب بالحمل عليه ، بخلاف شهوته ، وأمله والصّغار : الذل قاله السدي.
ومعنى : (أَنْظِرْنِي) أخّرني (١) فأعطاه الله النّظرة إلى النفخة الأولى. قاله / أكثر الناس (٢) وهو الأصح والأشهر في الشّرع.
وقوله : (فَبِما) يريد به القسم ، كقوله في الآية الأخرى : (فَبِعِزَّتِكَ) [ص : ٨٢] و (أَغْوَيْتَنِي) قال الجمهور : معناه : أضللتني من الغيّ ، وعلى هذا المعنى قال محمد بن كعب القرظي : قاتل الله القدرية لإبليس أعلم بالله منهم ، يريد في أنه علم أن الله يهدي ويضل (٣).
وقوله : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ) المعنى : لاعترضنّ لهم في طريق شرعك ، وعبادتك ، ومنهج النجاة ، فلأصدّنهم عنه.
ومنه قوله عليهالسلام : «إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه (٤) نهاه عن الإسلام ، وقال : تترك دين آبائك ، فعصاه فأسلم ، فنهاه عن الهجرة فقال : تدع أهلك وبلدك ، فعصاه فهاجر ، فنهاه عن الجهاد ، فقال : تقتل وتترك ولدك ، فعصاه فجاهد فله الجنّة (٥) ...» الحديث.
وقوله سبحانه : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا
__________________
(١) وذكره ابن عطية (٢ / ٣٧٩) ، والبغوي (٢ / ١٥١)
(٢) أخرجه الطبري (٥ / ٤٤٢) ، برقم : (١٤٣٦٥) نحوه ، وذكره ابن عطية (٢ / ٣٧٩) ، والبغوي (٢ / ١٥١)
(٣) أخرجه الطبري (٥ / ٤٤٤) ، برقم : (١٤٣٦٨) ، وذكره ابن عطية (٢ / ٣٨٠)
(٤) هي جمع طريق على التأنيث ؛ لأن الطريق تذكر وتؤنث ، فجمعه على التذكير : أطرقة : كرغيف وأرغفة ، وعلى التأنيث : أطرق ، كيمين وأيمن.
ينظر : «النهاية» (٣ / ١٣٣)
(٥) أخرجه ابن أبي شيبة (٥ / ٢٩٣) ، والنسائي (٦ / ٢١ ـ ٢٢) ، كتاب «الجهاد» ، باب : ما لمن أسلم وهاجر وجاهد ، وابن حبان (١٦٠١ ـ موارد) ، والطبراني في «الكبير» (٧ / ١٣٨) ، من حديث سبرة بن أبي الفاكه.