فالعرف بمعنى المعروف.
وقوله عزوجل : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ، هذه الآية وصيّة من الله سبحانه لنبيّه صلىاللهعليهوسلم تعمّ أمته رجلا رجلا ، والنّزغ : حركة فيها فساد قلّما تستعمل إلا في فعل الشيطان ؛ لأن حركته مسرعة مفسدة ؛ ومنه قول النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «لا يشر أحدكم على أخيه بالسّلاح ؛ لا ينزغ الشّيطان في يده» ، فالمعنى في هذه الآية : فإمّا تلمّنّ بك لمّة من الشيطان ، فاستعذ بالله ، وعبارة البخاريّ : ينزغنّك : يستخفنّك. انتهى.
ونزغ الشيطان عامّ في الغضب ، وتحسين المعاصي ، واكتساب الغوائل ، وغير ذلك وفي «جامع الترمذيّ» عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن للملك لمّة ، وللشّيطان لمّة ...» (١) الحديث.
قال* ع (٢) : عن هاتين اللّمّتين : هي الخواطر من الخير والشر ، فالآخذ بالواجب يلقى لمّة الملك بالامتثال والاستدامة ، ولمّة الشيطان بالرفض والاستعاذة ، واستعاذ : معناه : طلب أن يعاذ ، وعاذ : معناه : لاذ ، وانضوى ، واستجار.
قال الفخر (٣) : قال ابن زيد : لما نزل قوله تعالى : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «كيف يا ربّ ، والغضب؟ فنزل قوله : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ)» (٤) ، وقوله : (إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) يدلّ على أن الاستعاذة لا تفيد إلّا إذا حضر في القلب العلم بمعنى الاستعاذة ، فكأنه تعالى قال : اذكر لفظ الاستعاذة بلسانك ؛ فإن سميع ، واستحضر معاني الاستعاذة بعقلك وقلبك ؛ فإني عليم بما في ضميرك ، وفي الحقيقة : القول اللسانيّ دون المعارف العقليّة ، عديم الفائدة والأثر. انتهى.
(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١) وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ)(٢٠٢)
وقوله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا ...) الآية خرجت مخرج المدح للمتقين ، والتقوى هاهنا عامّة في اتقاء / الشّرك والمعاصي ، وقرأ ابن
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ٤٩١)
(٣) ينظر : «تفسير الرازي» (١٥ / ٧٩)
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ١٥٥) برقم : (١٥٥٦٤)