وقوله : (لِيَسْكُنَ إِلَيْها) ، أي : ليأنس ، ويطمئنّ ، وكان هذا كلّه في الجنة.
ثم ابتدأ بحالة أخرى ، وهي في الدنيا بعد هبوطهما ، فقال : (فَلَمَّا تَغَشَّاها) ، أي : غشيها ، وهي كناية عن الجماع ، والحمل الخفيف : هو المنيّ الذي تحمله المرأة في رحمها.
وقوله : (فَمَرَّتْ بِهِ) أي : استمرّت به ، وقرأ ابن عبّاس : «فاستمرّت به» ، وقرأ ابن (١) مسعود : «فاستمرّت بحملها» وقرأ عبد الله بن عمرو بن (٢) العاص : «فمارت به» ، أي جاءت به ، وذهبت ، وتصرّفت ؛ كما تقول : مارت الرّيح مورا ، و (أَثْقَلَتْ) : دخلت في الثّقل ، كما تقول : أصبح وأمسى ، والضمير في قوله (دَعَوَا) ، على هذا التأويل : عائد على آدم وحوّاء ، وروي في قصص ذلك / ؛ أن الشيطان أشار على حواء ، أن تسمّي هذا المولود «عبد الحارث» ، وهو اسم إبليس ، وقال لها : إن لم تفعلي قتلته ، فزعموا أنهما أطاعاه ؛ حرصا على حياة المولود ، فهذا هو الشّرك الذي جعلا لله ، في التسمية فقط.
وقال الطبريّ والسديّ (٣) في قوله : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) كلام منفصل من خبر آدم وحوّاء ، يراد به مشركو العرب (٤).
* ت* : وينزه آدم وحواء عن طاعتهما لإبليس ، ولم أقف بعد على صحّة ما روي في هذه القصص ، ولو صحّ ، لوجب تأويله ، نعم ؛ روى الترمذيّ عن سمرة بن جندب (٥) ، عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : لمّا حملت حوّاء ، طاف بها إبليس ، وكان لا يعيش لها ولد ، فقال لها : سمّيه عبد الحارث ، فسمّته عبد الحارث ، فعاش ذلك ، وكان ذلك من
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ٤٨٦) ، و «البحر المحيط» (٤ / ٤٣٧)
(٢) قال أبو الفتح : والمعنى واحد.
ينظر : «المحتسب» (١ / ٢٧٠) ، و «المحرر الوجيز» (٢ / ٤٨٦) ، و «البحر المحيط» (٤ / ٤٣٧) ، وزاد نسبتها إلى الجحدري ، وينظر : «الدر المصون» (٣ / ٣٨٢). وقد نسبها ابن خالويه في «مختصره» ص : (٥٣) إلى ابن أبي عمار.
(٣) ينظر : «تفسير الطبري» (٦ / ١٤٦)
(٤) أخرجه الطبري (٦ / ١٤٨) برقم : (١٥٥٤٢) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٢ / ٤٨٧) ، والسيوطي (٣ / ٢٧٩) ، وعزاه لعبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر ، وأبي الشيخ.
(٥) هو : سمرة بن جندب بن هلال بن حريج بن مرة بن حرب بن عمرو بن جابر أبو سليمان الفزاري ، سكن «البصرة» ، قدمت به أمه المدينة بعد موت أبيه ، فتزوجها رجل من الأنصار اسمه : مري بن سنان بن ثعلبة ، وكان في حجره إلى أن صار غلاما ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعرض غلمان الأنصار كل سنة ، فمرّ به غلام فأجازه في البعث ، وعرض عليه سمرة بعده فرده ، فقال سمرة : لقد أجزت هذا ورددتني ، ولو صارعته لصرعته قال : فدونكه فصارعه ، فصرعه سمرة ، فأجازه من البعث. قيل : أجازه يوم أحد ، والله أعلم ...