الاستثناء منقطع ، وأخبر أنه لو كان يعلم الغيب ، لعمل بحسب ما يأتي ، واستعدّ لكلّ شيء استعداد من يعلم قدر ما يستعدّ له ، وهذا لفظ عامّ في كل شيء.
وقوله : (وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) يحتمل وجهين ، وبكليهما قيل.
أحدهما : أن «ما» معطوفة على قوله : (لَاسْتَكْثَرْتُ) أي : ولما مسني السوء.
والثاني : أن يكون الكلام مقطوعا تمّ في قوله : (لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) وابتدأ يخبر بنفي السوء عنه ، وهو الجنون الذي رموه به.
قال مؤرّج السّدوسيّ (١) : (السُّوءُ) الجنون ؛ بلغة هذيل.
* ت* : وأما على التأويل الأول ، فلا يريد ب «السوء» الجنون ، ويترجّح الثاني بنحو قوله سبحانه : (ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ ...) [سبأ : ٤٦] الآية ، و (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) : يحتمل معنيين :
أحدهما : أن يريد : لقوم يطلب منهم الإيمان ، وهؤلاء الناس أجمع.
والثاني : أن يخبر أنه نذير ، ويتمّ الكلام ، ثم يبتدىء يخبر أنه بشير للمؤمنين به ، ففي هذا وعد لمن حصل إيمانه.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩) فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠) أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١) وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٢) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ)(١٩٣)
وقوله : جلّت عظمته : و (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ...) الآية.
قال جمهور المفسّرين : المراد بالنّفس الواحدة : آدم عليهالسلام ، وبقوله : (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) حوّاء ، وقوله : (مِنْها) هو ما تقدّم ذكره من أنّ آدم نام ، فاستخرجت قصرى أضلاعه ، وخلقت منها حوّاء.
__________________
(١) مؤرج بن عمرو بن الحارث ، من بني سدوس بن شيبان ، أبو فيد : عالم بالعربية والأنساب ، من أعيان أصحاب الخليل بن أحمد ، من أهل «البصرة». كان له اتصال بالمأمون العباسي ، ورحل معه إلى خراسان ، فسكن مدة ، ب «مرو» ، وانتقل إلى «نيسابور». من كتبه «جماهير القبائل» و «حذف من نسب قريش» ، و «غريب القرآن» وكتاب «الأمثال» و «المعاني» وله شعر جيد.
ينظر : ترجمته في «الأعلام» (٧ / ٣١٨) (٢٥٦٩)