وقوله تعالى : (وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ) مخاطبة لجميع النّاس ، يجمع الآباء والأمهات ، أي : لهم اتخاذ الظّئر (١) ، مع الاتفاق على ذلك ، وأما قوله : (إِذا سَلَّمْتُمْ) ، فمخاطبة للرجال خاصّة إلا على أحد التأويلين في قراءة من (٢) قرأ : «أوتيتم» ، وقرأ السّتّة من السبعة : «آتيتم» ؛ بالمدّ ؛ بمعنى أعطيتم ، وقرأ ابن كثير : «أتيتم» ؛ بمعنى : فعلتم (٣) ؛ كما قال زهير : [الطويل]
وما كان من خير أتوه فإنّما |
|
توارثه آباء آبائهم قبل(٤) |
فأحد التأويلين في هذه القراءة كالأول ، والتأويل الثّاني لقتادة ، وهو إذا سلّمتم ما آتيتم من إرادة الاسترضاع (٥) ، أي : سلم كلّ واحد من الأبوين ، ورضي ، وكان ذلك على اتفاق منهما ، وقصد خير ، وإرادة معروف ، وعلى هذا الاحتمال يدخل النساء في الخطاب.
* ت* : وفي هذا التأويل تكلّف.
وقال سفيان : المعنى : إذا سلّمتم إلى المسترضعة ، وهي الظّئر أجرها بالمعروف (٦).
وباقي الآية أمر بالتقوى ، وتوقيف على أن الله تعالى بصير بكلّ عمل ، وفي هذا وعيد وتحذير ، أي : فهو مجاز بحسب عملكم.
(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ
__________________
(١) الظّئر : المرضعة غير ولدها.
ينظر : «النهاية» (٣ / ١٥٤) ، و «لسان العرب» (٢٧٤١)
(٢) وهي رواية شيبان عن عاصم ، كما في شواذ ابن خالويه ص (٢٢)
(٣) وقراءة ابن كثير معناها : إذا سلمتم ما أتيتم به.
ينظر : «حجة القراءات» (١٣٧) ، و «السبعة» (١٨٣) ، و «الحجة» (٢ / ٣٣٥) ، و «معاني القراءات» (١ / ٢٠٦ ـ ٢٠٧) ، و «العنوان» (٧٤) ، و «شرح الطيبة» (٤ / ١٠٣) ، و «شرح شعلة» (٢٩١) ، و «إتحاف» (١ / ٤٤٠)
(٤) البيت في ديوان زهير بن أبي سلمى ص (١١٥) ، و «تفسير القرطبي» (٣ / ١٧٣) ، و «الدر المصون» (١ / ٥٧٥).
توارثه ، يعني : ورثه كابر عن كابر. وقال ابن ميّادة في مثله :
إنّ بني العبّاس في مشرف |
|
يزل عنه الغفر ، الأحمر |
له الفعال ، وله الوالد ال |
|
أكبر ، فالأكبر ، فالأكبر. |
(٥) ذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (١ / ٣١٣)
(٦) أخرجه الطبري (٢ / ٥٢٣) برقم (٥٠٧٣) ، وذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (١ / ٣١٣)