الشّاشيّ (١) يقول : إذا قيل : لا تقرب ؛ بفتح الراء ، كان معناه : لا تلتبس بالفعل ، وإذا كان بضم الراء ، كان معناه لا تدن منه. انتهى.
وجمهور العلماء على أنّ وطأها في الدّم ذنب عظيم يتاب منه ، ولا كفّارة فيه بمال (٢) ، وجمهورهم على أن الطّهر الذي يحلّ جماع الحائض ، هو بالماء ؛ كطهر الجنب ، ولا يجزىء من ذلك تيمّم ولا غيره.
وقوله تعالى : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ ...) الآية : الخلاف فيها كما تقدّم ، وقال مجاهد وجماعة : (تَطَهَّرْنَ) ، أي : اغتسلن بالماء (٣) بقرينة الأمر بالإتيان ؛ لأنّ صيغة الأمر من الله
__________________
(١) القاسم بن القفال الكبير الشاشي محمد بن علي ، مصنف «التقريب» ، كان إماما جليلا حافظا ، برع في حياة أبيه ، قال العبادي : إن كتابه «التقريب» قد تخرج به فقهاء خراسان ، وازدادت طريقة أهل العراق به حسنا ، وقد أثنى البيهقي على التقريب ، وقال فيه الأسنوي : ولم أر في كتب الأصحاب أجلّ منه. ينظر : «طبقات ابن قاضي شهبة» (١ / ١٨٧) ، «هدية العارفين» (١ / ٨٢٧) ، «طبقات الأسنوي» (ص ١٠٨)
(٢) اتفق أهل العلم على تحريم غشيان الحائض ، ومن فعله عالما عصى ، ومن استحلّه كفر ؛ لأنه محرّم بنصّ القرآن ، ولا يرتفع التّحريم حتى ينقطع الدم وتغتسل عند أكثر أهل العلم ، وهو قول سالم بن عبد الله ، وسليمان بن يسار ، ومجاهد ، والحسن ، وإبراهيم ، وإليه ذهب عامة العلماء ، لقوله سبحانه وتعالى : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) أي : اغتسلن.
وذهب أبو حنيفة إلى أنه يجوز غشيانها بعد ما انقطع دمها لأكثر الحيض قبل الغسل.
واختلف أهل العلم في وجوب الكفّارة بوطء الحائض ، فذهب أكثرهم إلى أنه يستغفر الله ولا كفّارة عليه ، وهو قول سعيد بن المسيّب ، وسعيد بن جبير ، وإبراهيم النّخعي ، والقاسم ، وعطاء ، والشّعبي ، وابن سيرين ، وبه قال ابن المبارك ، والشّافعيّ ، وأصحاب الرأي.
وذهب جماعة إلى إيجاب الكفّارة بإتيان الحائض ، منهم قتادة والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وقاله الشافعي في القديم ، لما روى عن ابن عبّاس ، أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم قال في رجل جامع امرأته وهي حائض. ، قال : «إن كان الدّم عبيطا ، فليتصدّق بدينار ، وإن كان صفرة ، فنصف دينار».
أخرجه الترمذي (١ / ٢٤٥) ، أبواب الطهارة : باب ما جاء في الكفارة في ذلك (١٣٧) ، وفي سنده عبد الكريم بن أبي المخارق ، ضعيف كما في «التقريب» (١ / ٥١٦) ، وللحديث طرق أخرى قد بسطها الشيخ شاكر في شرحه للترمذي (١ / ٢٤٥ ـ ٢٥٤) ، فانظرها ؛ ففيها فوائد.
قال أبو عيسى : حديث الكفّارة في إتيان الحائض قد روي عن ابن عباس موقوفا ، وروي أنه قال : «إن أصابها في فور الدّم تصدّق بدينار ، وإن كان في انقطاع الدم ، فنصف دينار».
وقال قتادة : دينار للحائض ، ونصف دينار إذا أصابها قبل الغسل. وقال أحمد : يتخيّر بين الدّينار والنصف ، وقال الحسن : عليه ما على المجامع في نهار رمضان.
ومن لم يوجب الكفارة ، ذهب إلى أن حديث ابن عبّاس لا يصحّ متّصلا مرفوعا. ينظر : «شرح السنة» (١ / ٤٠٩ ـ ٤١٠)
(٣) أخرجه الطبري (٢ / ٣٩٨ ـ ٣٩٩) برقم (٤٢٧٣). ـ