ولما كانت الخمر تستر العقل ، وتغطّي عليه ، سمّيت بذلك ، وأجمعت الأمة على تحريم خمر العنب ، ووجوب الحدّ في القليل والكثير منه ، وجمهور الأمة على أن ما أسكر كثيرة من غير خمر العنب محرّم قليله وكثيره ، والحدّ في ذلك واجب.
وروي أنّ هذه الآية أول تطرّق إلى تحريم الخمر ، ثم بعده : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) [النساء : ٤٣] ثم (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ...) الآية إلى قوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة : ٩١] ، ثم قوله تعالى : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ) [المائد : ٩٠] فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «حرّمت الخمر» (١) ،
__________________
ـ و «شرح المفصل» (١ / ١٢٩) ؛ و «لسان العرب» (٤ / ٢٥٧) (خمر) ؛ و «اللمع» (ص ١٩٥) ؛ و «همع الهوامع» (٢ / ١٤٢) ، و «الدر المصون» (١ / ٥٣٥).
واستشهد بقوله : «يا زيد والضحاك» حيث روي بنصب «الضحاك» ورفعه ، فدلّ ذلك على أنّ المعطوف على المنادى المبنيّ ، إذا كان مفردا ، يجوز فيه وجهان : الرفع على لفظ المنادى ، والنصب على محلّه.
(١) أخرجه النسائي (٨ / ٣٢١) ، كتاب «الأشربة» ، باب ذكر الأخبار التي اعتل بها من أراد شرب السكر ، من طريق ابن شبرمة ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد ، عن ابن عباس موقوفا بلفظ : «حرمت الخمر قليلها وكثيرها ، والسكر من كل شراب».
قال النسائي : ابن شبرمة لم يسمعه من عبد الله بن شداد ، وأخرجه (٨ / ٣٢١) كتاب «الأشربة» ، باب ذكر الأخبار التي اعتل بها من أراد شرب السكر ، من طريق ابن شبرمة قال : حدثني الثقة عن عبد الله بن شداد ، عن ابن عباس به. قال : خالفه أبو عون محمد بن عبيد الله الثقفي.
فرواه عن عبد الله بن شداد ، عن ابن عباس بزيادة : «حرمت الخمر بعينها : قليلها ، وكثيرها» ... أخرجه النسائي (٨ / ٣٢١)
ثم أخرجه من طريق عباس بن ذريح ، عن أبي عون ، عن عبد الله بن شداد ، عن ابن عباس قال : «حرمت الخمر ؛ قليلها وكثيرها ، وما أسكر من كل شراب».
قال النسائي : وهذا أولى بالصواب من حديث ابن شبرمة ، وهشيم بن بشير ـ الراوي عنه ـ كان يدلس ، وليس في حديثه ذكر السماع من ابن شبرمة ، ورواية أبي عون أشبه بما رواه الثّقات عن ابن عباس. وقد أخرجه النسائي (٨ / ٣٢١) ، والدارقطني (٤ / ٢٥٦) ، وأبو نعيم في «الحلية» (٧ / ٢٢٤) ، من طريق شعبة ، عن مسعر ، عن أبي عون به ، عن ابن عباس موقوفا.
وفي الباب عن علي مرفوعا : أخرجه العقيلي في «الضعفاء» (٤ / ١٢٣ ـ ١٢٤) ، من طريق محمد بن الفرات الكوفي ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن الحارث ، عن علي قال : طاف النبي صلىاللهعليهوسلم بين الصفا والمروة أسبوعا ، ثم استند إلى حائط من حيطان مكة ، فقال : «هل من شربة»؟ فأتي بقعب من نبيذ ، فذاقه ، فقطب ، قال : فرده ، قال : فقام إليه رجل من آل حاطب ، فقال : يا رسول الله ، هذا شراب أهل مكة ، قال : فرده. قال : فصب عليه الماء حتى رغا ، ثم شرب ، ثم قال : «حرمت الخمر بعينها ، والسكر من كل شراب».
قال العقيلي : لا يتابع عليه.
ونقل عن يحيى قوله : ليس بشيء ، وعن البخاري قوله : منكر الحديث. ـ