للأمة ناسخ.
(وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ...) الآية : المعنى : أن اليهود والنصارى يعلمون أن الكعبة هي قبلة إبراهيم أمام الأمم ، وأن استقبالها هو الحقّ الواجب على الجميع أتّباعا لمحمّد صلىاللهعليهوسلم الذي يجدونه في كتبهم ، وتضمّنت الآية الوعيد.
وقوله جلّت قدرته : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ ...) الآية : أعلم الله تعالى نبيّه ـ عليهالسلام ـ حين قالت له اليهود : راجع بيت المقدس ، ونؤمن بك ؛ أن ذلك مخادعة منهم ، وأنهم لا يتّبعون له قبلة ، يعني : جملتهم ؛ لأن البعض قد اتبع ، كعبد الله بن سلام وغيره ، وأنهم لا يؤمنون بدينه ، أي : فلا تصغ إليهم ، والآية هنا العلامة.
وقوله جلّت عظمته : (وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ...) لفظ خبر يتضمّن الأمر ، أي : فلا تركن إلى شيء من ذلك ، (وَما بَعْضُهُمْ ...) الآية ، قال ابن زيد وغيره : المعنى ليست اليهود متبعة قبلة النصارى ، ولا النصارى متبعة قبلة اليهود ، فهذا (١) إعلام باختلافهم ، وتدابرهم ، وضلالهم ، وقبلة النصارى مشرق الشمس ، وقبلة اليهود بيت المقدس.
وقوله تعالى : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ...) الآية : خطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم والمراد أمته ، وما ورد من هذا النوع الّذي يوهم من النبيّ صلىاللهعليهوسلم ظلما متوقّعا ، فهو محمول على إرادة أمته ؛ لعصمة النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وقطعا أن ذلك لا يكون منه ، وإنما المراد من يمكن أن يقع ذلك منه ، وخوطب النبيّ صلىاللهعليهوسلم تعظيما للأمر ، قال الفخر (٢) : ودلّت هذه الآية على أن توجه الوعيد على العلماء أشدّ من توجّهه على غيرهم ؛ لأن قوله : (مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) يدلّ على ذلك. انتهى ، وهو حسن.
* ص* : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ) : لام «لئن» مؤذنة بقسم مقدّر قبلها ، ولهذا كان الجواب : له (ما تَبِعُوا) ، ولو كان للشرط ، لدخلت الفاء ، وجواب الشرط محذوف ؛ لدلالة جواب القسم عليه ، ومن ثم جاء فعل الشرط ماضيا ، لأنه إذا حذف جوابه ، وجب فعله لفظا. انتهى.
(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ
__________________
(١) أخرجه الطبري (٢ / ٢٧) برقم (٢٢٦٣) ، وذكره ابن عطية (١ / ٢٢٣) ، والسيوطي في «الدر» (١ / ٢٧٠) عن السديّ. وذكره الشوكاني في «تفسيره» عن السديّ كذلك.
(٢) «التفسير الكبير» (٤ / ١١٦)