هاروت وماروت. وما روي عن عليّ ، وابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ في خبرهما ، وابتلائهما ، فاعلم ـ أكرمك الله ـ أن هذه الأخبار لم يرو منها سقيم ولا صحيح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وليس (١) هو شيئا يؤخذ بقياس ، والذي منه في القرآن ، اختلف المفسّرون في معناه ، وأنكر ما قال بعضهم فيه كثير من السلف ، وهذه الأخبار من كتب اليهود ، وافترائهم (٢) ؛ كما نصّه الله أول الآيات. انتهى. انظره.
وقوله تعالى : (وَما يُعَلِّمانِ ...) الآية : ذكر ابن الأعرابي (٣) في «الياقوتة» ؛ أنّ (يُعَلِّمانِ) بمعنى «يعلمان (٤) ، ويشعران» ؛ كما قال كعب بن زهير (٥) : [الطويل]
__________________
(١) وليس هو ؛ أي ما تضمنته قصتهما. يؤخذ بقياس : يستنبط بقياس ؛ أي ليس مما يجري فيه القياس على غيره ، مما ورد من الآيات والأحاديث الصحيحة ؛ فلا ينبغي الخوض فيه نفيا أو إثباتا.
قال في «نسيم الرياض» : وهذا الذي ذكره من أنه لم يرد فيه حديث ضعيف ، ولا صحيح ردوه ـ كما نقله السيوطي في «مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا» ـ بأنه ورد من طرق كثيرة ؛ منها ما في مسند أحمد ، عن ابن عمر (رضي الله عنهما) مرفوعا ؛ ورواه ابن حبان ، والبيهقي ، وابن جرير ؛ وابن حميد في «مسنده» ، وابن أبي الدنيا وغيرهم من طرق عديدة.
وقال ابن حجر في «شرح البخاري» : إن له طرقا تفيد العلم بصحته. وكذا في حواشي البرهان الحلبي ، وذكره مسندا عن ابن عمر (رضي الله عنهما) أنه سمعه صلىاللهعليهوسلم يقول : «لما أهبط الله (تعالى) آدم إلى الأرض ، قالت الملائكة : أتجعل فيها من يفسد فيها! وقالوا : ربنا نحن أطوع لك من بني آدم. فقال الله تعالى : هلما بملكين يهبطان الأرض. قالوا : ربنا هاروت وماروت. فأهبطا ، فتمثلت لهما الزهرة امرأة حسنة من البشر ؛ فراوداها عن نفسها ، فقالت : لا ، والله ، حتى تتكلما بهذه الكلمة من الشرك ، فأبيا. فذهبت وأتت بابن جار لها تحمله ، فراوداها. فقالت : لا ، حتى تقتلا هذا الصبي ؛ فقالا : لا. ثم راوداها مرة أخرى ، فأتت بقدح خمر ، فقالت : لا ، حتى تشرباه. فشربا وسكرا ، فتكلما بكلمة الكفر ، وقتلا الصبي ، فخيرهما الله (تعالى) بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا : «فعلقا بين السماء والأرض». قال الخفاجي : وقد جمع السيوطي طرق هذا الحديث في تأليف مستقل ، فبلغت نيفا وعشرين طريقا.
(٢) هذه الأخبار التي ذكرها بعض المفسرين منقولة من كتب اليهود في الإسرائيليات وافترائهم وكذبهم على أنبياء الله تعالى وملائكته.
(٣) محمد بن زياد ، المعروف ب «ابن الأعرابي» ، راوية ، ناسب ، علامة باللغة ، ولد ١٥٠ ه من أهل «الكوفة» ، كان أحول ، لم ير أحد في علم الشعر أغزر منه. له تصانيف منها : «أسماء الخيل وفرسانها» ، و «الأنواء» و «الفاضل» و «البشر» وغيرها. وتوفي ٢٣١ ه.
ينظر : «وفيات الأعيان» (١ / ٤٩٢) ، و «تاريخ بغداد» (٥ / ٢٨٢) ، و «المقتبس» (٦ / ٣ ـ ٩) ، و «نزهة الألباء» (٢٠٧) ، و «الأعلام» (٦ / ١٣١)
(٤) وهي قراءة طلحة بن مصرف ، كما في «مختصر الشواذ» (ص ١٦) ، و «البحر المحيط» (١ / ٤٩٨) ، و «الدر المصون» (١ / ٣٢٢)
(٥) كعب بن زهير بن أبي سلمى المازني ، أبو المصرب. شاهر عالي الطبقة من أهل «نجد» ، له «ديوان ـ