الأخسّ ، إلا أنه خفّفت همزته ، وقال غيره : هو مأخوذ من الدّون ، أي : الأحط فأصله أدون ، ومعنى الآية : أتستبدلون البقل ، والقثّاء ، والفوم ، والعدس ، والبصل الّتي هى أدنى بالمنّ والسلوى الذي هو خير.
وجمهور النّاس يقرءون «مصرا» بالتنوين (١) ، قال مجاهد وغيره : أراد مصرا من الأمصار غير معيّن (٢) ، واستدلّوا بما اقتضاه القرآن من أمرهم ؛ بدخول القرية ، وبما تظاهرت به الروايات ؛ أنهم سكنوا الشّام بعد التيه ، وقالت طائفة : أراد مصر فرعون بعينها ، واستدلّوا بما في القرآن من أنّ الله أورث بني إسرائيل ديار آل فرعون وآثارهم ، قال في «مختصر الطبريّ» : وعلى أن المراد مصر التي خرجوا منها ، فالمعنى : إنّ الذي تطلبون كان في البلد الّذي كان فيه عذابكم ، واستعبادكم ، وأسركم ، ثمّ قال : والأظهر أنهم مذ خرجوا من مصر ، لم يرجعوا إليها ، والله أعلم. انتهى.
وقوله تعالى : (فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ) يقتضي أنه وكلهم إلى أنفسهم ، و (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ) (٣) معناه : الزموها ؛ كما قالت العرب : ضربة لازب ، (وَباؤُ بِغَضَبٍ) : معناه : مروا متحمّلين له ، قال الطبري : باءوا به ، أي : رجعوا به ، واحتملوه ، ولا بد أن يوصل باء بخير أو بشرّ. انتهى.
وقوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِ) الإشارة ب (ذلِكَ) إلى ضرب الذلّة وما بعده ، وقوله تعالى : (بِغَيْرِ الْحَقِ) تعظيم
__________________
(١) وقرأ «مصر» بغير تنوين في هذه الآية الأعمش ، كما في مختصر الشواذ لابن خالويه (ص ١٤).
كما قرأ بها طلحة بن مصرف والحسن وأبان بن تغلب ، وقيل : هي كذلك في مصحف أبي بن كعب ومصحف عبد الله وبعض مصحاف عثمان. كما في «البحر المحيط» (١ / ٣٩٦ ـ ٣٩٧) ، و «الدر المصون» (١ / ٢٤١)
(٢) أخرجه الطبري (١ / ٣٥٤) برقم (١٠٨٥) بلفظ : «مصرا من الأمصار ، زعموا أنهم لم يرجعوا إلى مصر» ا ه.
(٣) قوله تعالى : (الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ) يعني : فقر النفس. قال السمين الحلبي : والمراد بها هنا الجزية والصغار. «عمدة الحفاظ» (٢ / ٢٣٩). وقال الحسن وقتادة : (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) هي أنهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون ، وقال عطاء بن السائب : هي الكستينج (لبس اليهود) وزي اليهودية ، و (الْمَسْكَنَةُ) : زي الفقر ، فترى المثرى منهم يتباءس مخافة أن يضاعف عليه الجزية ، ولا يوجد يهودي غني النفس.
ينظر : «الوسيط» (١ / ١٤٧) ، و «الطبري» (٢ / ١٣٧) ، و «البغوي» (١ / ٦٦) ، و «ابن كثير» (١ / ١٠٢) ، و «الدر المنثور» (١ / ٧٣)