يناشد ربّه فيهم ، ويقول : أي ربّ ، كيف أرجع إلى بني إسرائيل دونهم ، فيهلكون ، ولا يؤمنون بي أبدا ، وقد خرجوا ، وهم الأخيار.
قال* ع (١) * : يعني : هم بحال الخير وقت الخروج ، وقال قوم : بل ظن موسى أنّ السبعين ، إنما عوقبوا بسبب عبادة العجل ، فذلك قوله : (أَتُهْلِكُنا) [الأعراف : ١٥٥] ، يعني السبعين : (بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) [الأعراف : ١٥٥] يعني : عبدة العجل ، وقال ابن فورك : يحتمل أن تكون معاقبة السبعين ؛ لإخراجهم طلب الرؤية عن طريقه ؛ بقولهم لموسى : (أَرِنَا) [النساء : ١٥٣] وليس ذلك من مقدور موسى عليهالسلام.
قال* ع (٢) * : ومن قال : إن السبعين سمعوا ما سمع موسى ، فقد أخطأ ، وأذهب فضيلة موسى ، واختصاصه بالتكليم.
و (جَهْرَةً) : مصدر في موضع الحال (٣) ، والجهر العلانية ، ومنه الجهر ضد السر ،
__________________
ـ ومعنى الآية على الأول : منتظرة نعمة ربها ، وعلى الثاني : عند ربها منتظرة نعمته.
أجاب أهل السنة عند المنع :
أولا : لو أريد من النظر في الآية انتظار النعمة لما خص بإسناده إلى الوجوه التي هي محل الأعين ـ بالباصرة ، ولم يكن للتعدية بالظرف معنى ؛ فإن المؤمنين في دار الدنيا منتظرون نعمته تعالى ، وكذلك الكفار.
ثانيا : أن جعل «إلى» بمعنى النعمة في هذا المقام يخالف المعقول ؛ لأن الانتظار يعد من الآلام ؛ كيف وقد قيل : إنه الموت الأحمر؟! ويخالف المنقول أيضا ؛ إذ روي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر إلى جناته وأزواجه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة ، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجه الله غدوة وعشية» ثم قرأ (عليه الصلاة والسلام) : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [القيامة : ٢٢ ـ ٢٣] والله ما نسخها منذ أنزلها.
ثالثا : إن الانتظار أمارة الغم وعدم الاطمئنان ، وقد قيل كما سبق أنه الموت الأحمر ، وهذا يخالف ما سيقت لأجله الآية من التبشير للمؤمنين بالإنعام وحسن الحال وفراغ البال ، وذلك إنما يكون برؤيته تعالى ، فإنها من أجلّ النعم والكرامات المستتبعة لنضارة الوجوه.
وما يقوله المعتزلة من أن ترتب الغم على الانتظار أمر عادي يجوز تخلفه في الآخرة حيث إنها دار خوارق العادات ، على أنه إنما يكون غما إذا لم يكن مقطوعا بما يترتب عليه من حصول النعم ؛ كيف وهو وعد من لا يخلف وعده ، فمدفوع بأن هذا خروج عن السنن الكونية فقد جرت عادة الله (تعالى) أن يبشر خلقه وينذرهم بما يعلمونه لذة وعذابا بحسب العادة ، ولذا لم يقع التبشير بالنار والإنذار بالجنة مع إمكان أن يخلق الله اللذة في النار والعذاب والألم في الجنة.
ينظر : الرؤية لشيخنا عبد الفضيل طلبة ص ٤٠ وما بعدها.
(١) «المحرر الوجيز» (١ / ١٤٧)
(٢) السابق.
(٣) قوله تعالى : (جَهْرَةً) فيه قولان :